الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ عِدَّةَ ٱلشُّهُورِ عِندَ ٱللَّهِ ٱثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ ٱللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ مِنْهَآ أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُتَّقِينَ }

{ إِنَّ عِدَّةَ ٱلشُّهُورِ } أي مبلغ عدد شهور السنة { عَندَ ٱللَّهِ } أي في حكمه { ٱثْنَا عَشَرَ شَهْراً } وهي الشهور القمرية المعلومة إذ عليها يدور فلك الأحكام الشرعية { فِي كِتَـٰبِ ٱللَّهِ } أي في اللوح المحفوظ. وقيل: فيما أثبته وأوجب على عباده الأخذ به، وقيل: القرآن لأن فيه آيات تدل على الحساب ومنازل القمر وليس بشيء { يَوْمَ خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلاْرْضَ } أي في ابتداء إيجاد هذا العالم، وهذا الظرف متعلق بما في كتاب الله من معنى الثبوت الدال عليه بمنطوقه أو بمتعلقه أو بالكتاب إن كان مصدراً بمعنى الكتابة، والمراد أنه في ابتداء ذلك كانت عدتها ما ذكر وهي الآن على ما كانت عليه، و { فِى كِتَـٰبِ ٱللَّهِ } صفة { ٱثْنَا عَشَرَ } وهي خبر { إِنَّ } و { عِندَ } معمول { عِدَّةَ } لأنها مصدر كالشركة و { شَهْراً } تمييز مؤكد كما في قولك: عندي من الدنانير عشرون ديناراً، وما يقال: إنه لرفع الإبهام إذ لو قيل عدة الشهور عند الله اثنا عشر سنة لكان كلاماً مستقيماً ليس بمستقيم على ما قيل. وانتصر له بأن مراد القائل إنه يحتمل أن تكون تلك الشهور في ابتداء الدنيا كذلك كما في قوله سبحانه: { وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ } ونحوه ولا مانع منه فإنه أحسن من الزيادة المحضة، ولم يجوزوا تعلق { فِى كِتَـٰبِ } بعدة لأن المصدر إذا أخبر عنه لا يعمل فيما بعد الخبر. ومن الناس من جعله بدلاً من { عَندَ ٱللَّهِ } وضعفه أبو البقاء بأن فيه الفصل بين البدل والمبدل منه بخبر العامل في المبدل، وجوز بعض أن يجعل { ٱثْنَا عَشَرَ } مبتدأ و { عِندَ } خبر مقدم والجملة خبر إن أو إن الظرف لاعتماده عمل الرفع { فِى ٱثْنَا عَشَرَ }.

وقوله سبحانه: { مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ } يجوز أن يكون صفة لاثنا عشر وأن يكون حالاً من الضمير في الظرف وأن يكون جملة مستأنفة وضمير { مِنْهَا } على كل تقدير لاثنا عشر، وهذه / الأربعة ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر. واختلف في ترتيبها فقيل: أولها المحرم وآخرها ذو الحجة فهي من شهور عام، وظاهر ما أخرجه سعيد بن منصور وابن مردويه عن ابن عباس يقتضيه. وقيل: أولها رجب فهي من عامين واستدل له بما أخرجه ابن جرير وغيره عن ابن عمر قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بمنى في أوسط أيام التشريق فقال: " يا أيها الناس إن الزمان قد استدار فهو اليوم كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً منها أربعة حرم أولهن رجب مضر بين جمادى وشعبان وذو القعدة وذو الحجة والمحرم ".

السابقالتالي
2 3 4 5