الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱتَّخَذُوۤاْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَٱلْمَسِيحَ ٱبْنَ مَرْيَمَ وَمَآ أُمِرُوۤاْ إِلاَّ لِيَعْبُدُوۤاْ إِلَـٰهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ }

{ اتَّخَذُواْ أَحْبَـٰرَهُمْ } زيادة تقرير لما سلف من / كفرهم بالله تعالى، والأحبار علماء اليهود، واختلف في واحده فقال الأصمعي: لا أدري أهو حِبْر أو حَبْر، وقال أبو الهيثم: هو بالفتح لا غير، وذكر ابن الأثير أنه ((بالفتح والكسر)) وعليه أكثر أهل اللغة، والصحيح إطلاقه على العالم ذمياً كان أو مسلماً فقد كان يقال لابن عباس رضي الله تعالى عنهما الحبر ويجمع كما في «القاموس» على حبور أيضاً وكأنه مأخوذ من تحبير المعاني بحسن البيان عنها { وَرُهْبَـٰنَهُمْ } وهم علماء النصارى من أصحاب الصوامع، وهو جمع راهب وقد يقع على الواحد ويجمع على رهابين ورهابنة وفي «مجمع البيان» أن الراهب هو الخاشي الذي تظهر عليه الخشية وكثر إطلاقه على متنسكي النصارى وهو مأخوذ من الرهبة أي الخوف، وكانوا لذلك يتخلون من أشغال الدنيا وترك ملاذها والزهد فيها والعزلة عن أهلها وتعمد مشاقها حتى أن منهم من كان يخصي نفسه ويضع السلسلة في عنقه وغير ذلك من أنواع التعذيب، ومن هنا قال صلى الله عليه وسلم: " لا رهبانية في الإسلام "

والمراد في الآية اتخذ كل من [واحد] من الفريقين علماءهم لا الكل الكل { أَرْبَابًا مِّن دُونِ ٱللَّهِ } بأن أطاعوهم في تحريم ما أحل الله تعالى وتحليل ما حرمه سبحانه وهو التفسير المأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقد روي الثعلبـي وغيره " عن عدي بن حاتم قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي عنقي صليب من ذهب فقال: يا عدي اطرح عنك هذا الوثن وسمعته يقرأ في سورة براءة { ٱتَّخَذُوۤاْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ ٱللَّهِ } فقلت له: يا رسول الله لم يكونوا يعبدونهم فقال عليه الصلاة والسلام. أليس يحرمون ما أحل الله تعالى فيحرمونه ويحلون ما حرم الله فيستحلون؟ فقلت بلى. قال: ذلك عبادتهم " وسئل حذيفة رضي الله تعالى عنه عن الآية فأجاب بمثل ما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونظير ذلك قولهم: فلان يعبد فلاناً إذا أفرط في طاعته فهو استعارة بتشبيه الإطاعة بالعبادة أو مجاز مرسل بإطلاق العبادة وهي طاعة مخصوصة على مطلقها والأول أبلغ، وقيل: اتخاذهم أرباباً بالسجود لهم ونحوه مما لا يصلح إلا للرب عز وجل وحينئذٍ فلا مجاز إلا أنه لا مقال لأحد بعد صحة الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. والآية ناعية على كثير من الفرق الضالة الذين تركوا كتاب الله تعالى وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام لكلام علمائهم ورؤسائهم والحق أحق بالاتباع فمتى ظهر وجب على المسلم اتباعه وإن أخطأه اجتهاد مقلده { وَٱلْمَسِيحَ ٱبْنَ مَرْيَمَ } عطف على { رُهْبَانَهُمْ } بأن اتخذوه رباً معبوداً أو بأن جعلوه ابناً لله كما يقتضيه سياق الآية على ما قيل وفيه نظر.

السابقالتالي
2