الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَذَانٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى ٱلنَّاسِ يَوْمَ ٱلْحَجِّ ٱلأَكْبَرِ أَنَّ ٱللَّهَ بَرِيۤءٌ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي ٱللَّهِ وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ }

{ وَأَذانٌ مّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } أي إعلام وهو فعال بمعنى الأفعال أي إيذان كالأمان والعطاء. ونقل الطبرسي أن أصله من النداء الذي يسمع بالأذن بمعنى أذنته أو صلته إلى أذنه، ورفعه كرفع براءة والجملة معطوفة على مثلها. وزعم الزجاج أنه عطف علىبَرَآءَةٌ } [التوبة: 1]، وتعقب بأنه لا وجه لذلك فإنه لا يقال: أن عمراً معطوف على زيد في قولك: زيد قائم وعمرو قاعد. وذكر العلامة الطيبي أن لقائل أن يقول: لم لا يجوز أن يعطف على براءة على أن يكون من عطف الخبر على الخبر كأنه قيل: هذه السورة براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم خاصة وأذان من الله ورسوله { إِلَى ٱلنَّاسِ } عامة. نعم الأوجه أن يكون من عطف الجمل لئلا يتخلل بين الخبرين جمل أجنبية ولئلا تفوت المطابقة بين المبتدأ والخبر تذكيراً وتأنيثاً، ونظر فيه بعضهم أيضاً بأنهم جوزوا في الدار زيد والحجرة عمرو وعدوا ذلك من العطف على معمولي عاملين، وصرحوا بأن نحو زيد قائم وعمرو يحتمل الأمرين، وأجيب بأنه أريد عطف أذان وحده على براءة من غير تعرض لعطف الخبر على الخبر كما في نحو أريد أن يضرب زيد عمراً ويهين بكر خالداً فليس العطف إلا في الفعلين دون معموليهما هذا الذي منعه من منع؛ وإرادة العموم من { ٱلنَّاسِ } هو الذي ذهب إليه أكثر الناس لأن هذا الأذان ليس كالبراءة المختصة بالناكثين بل هو شامل للكفرة وسائر المؤمنين أيضاً، وقال قوم: المراد بهم أهل العهد.

وقوله سبحانه: { يَوْمَ ٱلْحَجّ ٱلأَكْبَرِ } منصوب بما تعلق به { إِلَى ٱلنَّاسِ } لا بأذان لأن المصدر الموصوف لا يعمل على المشهور، والمراد به يوم العيد لأن فيه تمام الحج ومعظم أفعاله ولأن الإعلام كان فيه. ولما أخرج البخاري تعليقاً وأبو داود وابن ماجه وجماعة عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف يوم النحر بين الجمرات في الحجة التي حج فقال: أي يوم هذا؟ قالوا: يوم النحر، قال: هذا يوم الحج الأكبر»، وروي ذلك عن علي كرم الله تعالى وجهه وابن عباس وابن جبير وابن زيد ومجاهد وغيرهم، وقيل: يوم عرفة لقوله صلى الله عليه وسلم " الحج عرفة " ونسب إلى ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أيضاً، وأخرج ابن أبـي حاتم عن المسور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخرج ابن جرير عن أبـي الصهباء أنه سأل علياً كرم الله تعالى وجهه عن هذا اليوم فقال: هو يوم عرفة، وعن مجاهد وسفيان أنه جميع أيام الحج كما يقال: يوم الجمل ويوم صفين ويراد باليوم الحين والزمان والأول أقوى رواية ودراية، ووصف بالحج الأكبر لأن العمرة تسمى الحج الأصغر أو لأن المراد بالحج ما وقع في ذلك اليوم من أعماله فانه أكبر من باقي الأعمال فالتفضيل نسبـي وغير مخصوص بحج تلك السنة.

السابقالتالي
2 3