الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ ٱقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَآ أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّىٰ يَأْتِيَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَاسِقِينَ }

{ قُلْ } تلوين للخطاب وأمر له صلى الله عليه وسلم بأن يثبت المؤمنين ويقوي عزائمهم على الانتهاء عما نهوا عنه من موالاة الآباء والإخوان ويزهدهم فيهم وفيمن يجري مجراهم ويقطع علائقهم عن زخارف الدنيا الدنية على وجه التوبيخ والترهيب أي قل يا محمد للمؤمنين { إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ } لم يذكر الأبناء والأزواج فيما سلف وذكرهم هنا لأن ما تقدم في الأولياء وهم أهل الرأي والمشورة والأبناء والأزواج تبع ليسوا كذلك وما هنا في المحبة وهم أحب إلى كل أحد { وَعَشِيرَتُكُمْ } أي ذووا قرابتكم، وقيل: عشيرة الرجل أهله الأدنون، وأياً ما كان فذكره للتعميم والشمول وهو من العشرة أي الصحبة لأنها من شأن القربـى، وقيل من العشرة العدد المعروف وسميت العشيرة بذلك على هذا لكمالهم لأن العشرة كما علمت عدد كامل أو لأن بينهم عقد نسب كعد العشرة فإنه عقد من العقود وهو معنى بعيد. وقرأ أبو بكر عن عاصم { عشيراتكم } ، والحسن { عشائركم } وأنكر أبو الحسن وقوع الجمع الأول في كلامهم وإنما الواقع الجمع الثاني.

{ وَأَمْوٰلٌ ٱقْتَرَفْتُمُوهَا } أي اكتسبتموها، وأصل الاقتراف اقتطاع الشيء من مكانه إلى غيره من قرفت القرحة إذا قشرتها والقرف القشر، ووصفت الأموال بذلك إيماء إلى عزتها عندهم لحصولها بكد اليمين وعرق الجبين { وَتِجَـٰرَةٌ } أي أمتعة اشتريتموها للتجارة والربح { تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا } بفوات وقت رواجها بغيبتكم عن مكة المعظمة في أيام المواسم { وَمَسَـٰكِنُ تَرْضَوْنَهَا } منازل تعجبكم الإقامة فيها، والتعرض للصفات المذكورة للإيذان بأن اللوم على محبة ما ذكر من زينة الحياة الدنيا لا ينافي ما فيها من مبادىء المحبة وموجبات الرغبة فيها وأنها مع مالها من فنون المحاسن بمعزل عن أن تكون كما ذكر سبحانه بقوله: { أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } بالحب الاختياري المستتبع لأثره الذي هو الملازمة وتقديم الطاعة لا ميل الطبع فإنه أمر جبلي لا يمكن تركه ولا يؤاخذ عليه ولا يكلف الإنسان بالامتناع عنه { وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ } أي طريق ثوابه ورضاه سبحانه، ولعل المراد به هنا أيضاً الإخلاص ونحوه لا الجهاد وإن أطلق عليه أيضاً أنه سبيل الله تعالى، ونظم حب هذا في سلك حب الله تعالى شأنه وحب رسوله عليه الصلاة والسلام تنويهاً بشأنه وتنبيهاً على أنه مما يجب أن يحب فضلاً عن أن يكره وإيذاناً بأن محبته راجعة إلى محبة الله عز وجل ومحبة حبيبه صلى الله عليه وسلم فإن الجهاد عبارة عن قتال أعدائهما لأجل عداوتهم فمن يحبهما يجب أن يحب قتال من لا يحبهما { فَتَرَبَّصُواْ } أي انتظروا { حَتَّىٰ يَأْتِىَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِ } أي بعقوبته سبحانه لكم عاجلاً أو آجلاً على ما روي عن الحسن واختاره الجبائي، وروي عن ابن عباس ومجاهد ومقاتل أنه فتح مكة.

السابقالتالي
2 3