الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ فَسِيحُواْ فِي ٱلأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي ٱللَّهِ وَأَنَّ ٱللَّهَ مُخْزِي ٱلْكَافِرِينَ }

{ فَسِيحُواْ فِى ٱلأَرْضِ } أي سيروا فيها حيث شئتم، وأصل السياحة جريان الماء وانبساطه ثم استعملت في السير على مقتضى المشيئة، ومنه قوله:
لو خفت هذا منك ما نلتني   حتى ترى خيلاً أمامي تسيح
ففي هذا الأمر من الدلالة على كمال التوسعة والترفيه ما ليس في سيروا ونظائره وزيادة { فِي ٱلأَرْضِ } زيادة في التعميم، والكلام بتقدير القول أي فقولوا لهم سيحوا، أو بدونه وهو الالتفات من الغيبة إلى الخطاب، والمقصود الإباحة والإعلام بحصول الأمان من القتل والقتال في المدة المضروبة، وذلك ليتفكروا ويحتاطوا ويستعدوا بما شاءوا ويعلموا أن ليس لهم بعد إلا الإسلام أو السيف ولعل ذلك يحملهم على الاسلام، ولأن المسلمين لو قاتلوهم عقيب إظهار النقض فربما نسبوا إلى الخيانة فأمهلوا سداً لباب الظن وإظهاراً لقوة شوكتهم وعدم اكتراثهم بهم وباستعدادهم، وللمبالغة في ذلك اختيرت صيغة الأمر دون فلكم أن تسيحوا، والفاء لترتيب الأمر بالسياحة وما يعقبه على ما يؤذن به البراءة المذكورة من الحرب على أن الأول مترتب على نفسه للثاني بكلا متعلقيه على عنوان كونه من الله العزيز جل شأنه، كأنه قيل: هذه براءة موجبة لقتالكم فاسعوا في تحصيل ما ينجيكم وإعداد ما يجديكم.

{ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ } وهي شوال وذو القعدة وذو الحجة والمحرم عند الزهري لأن الآية نزلت في الشهر الأول، وقيل: إنها وإن نزلت فيه إلا أن قراءتها على الكفار وتبليغها إليهم كان يوم الحج الأكبر فابتداء المدة عاشر ذي الحجة إلى انقضاء عشر شهر ربيع الآخر، وروي ذلك عن أبـي عبد الله رضي الله تعالى عنه ومجاهد ومحمد بن كعب القرظي. وقيل: ابتداء تلك المدة يوم النحر لعشر من ذي القعدة إلى انقضاء عشر من شهر ربيع الأول، لأن الحج في تلك السنة كان في ذلك الوقت بسبب النسىء الذي كان فيهم ثم صار في السنة الثانية في ذي الحجة وهي حجة الوداع التي قال فيها صلى الله عليه وسلم: " ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السماوات والأرض " وإلى ذلك ذهب الجبائي، واستصوب بعض الأفاضل الثاني وادعى أن الأكثر عليه، روي من عدة أخبار متداخلة بعضها في «الصحيحين» أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاهد قريشاً عام الحديبية على أن يضعوا الحرب عشر سنين يأمن فيها الناس ودخلت خزاعة في عهد النبـي صلى الله عليه وسلم فدخل بنو بكر في عهد قريش ثم عدت بنو بكر على خزاعة فنالت منها وأعانتهم قريش بالسلاح فلما تظاهر بنو بكر وقريش على خزاعة ونقضوا عهدهم خرج عمرو الخزاعي حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنشد:

السابقالتالي
2 3 4