الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ ٱللَّهُ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }

{ وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ } بما نالهم منهم من الأذى ولم يكونوا قادرين على دفعه، وقيل: المراد يذهب غيظهم لانتهاك محارم الله تعالى والكفر به عز وجل وتكذيب رسوله عليه الصلاة والسلام. ظاهر العطف أن إذهاب الغيظ غير شفاء الصدور. ووجه بأن الشفاء بقتل الاعداء وخزيهم وإذهاب الغيظ بالنصرة عليهم أجمعين. ولكون النصرة مدار القصد كان أثرها إذهاب الغيظ من القلب الذي هو أخص من الصدر. وقيل: إذهاب الغيظ كالتأكيد لشفاء الصدر وفائدته المبالغة في جعلهم مسرورين بما يمن الله تعالى عليهم من تعذيبه أعداءهم وإخزائهم ونصرته سبحانه لهم عليهم، ولعل إذهاب الغيظ من القلب أبلغ مما عطف عليه فيكون ذكره من باب الترقي ولا يخلو عن حسن. وقيل: إن شفاء الصدور بمجرد الوعد بالفتح وإذهاب الغيظ بوقوع الفتح نفسه وليس بشيء، وقد أنجز الله تعالى جميع ما وعدهم به على أجمل ما يكون فالآية من المعجزات لما فيها من الإخبار بالغيب ووقوع ما أخبر عنه.

واستدل بها على أن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى، وقيل: إن اسناد التعذيب إليه سبحانه مجاز باعتبار أنه جل وعلا مكنهم منه وأقدرهم عليه. وفي «الحواشي الشهابية» قيل: إن قوله سبحانه:بِأَيْدِيكُمْ } [التوبة: 14] كالصريح بأن مثل هذه الأفعال التي تصلح للباري فعل له تعالى وإنما للعبد الكسب بصرف القوى والآلات، وليس الحمل على الإسناد المجازي بمرضي عند العارف بأساليب الكلام، ولا الالزام بالاتفاق على امتناع كتب الله تعالى بأيديكم وامتناع كذب الله تعالى شأنه بألسنه الكفار بوارد لأن مجرد خلق الفعل لا يصحح إسناده إلى الخالق ما لم يصلح محلا له، وإمتناع ما ذكر للاحتراز عن شناعة العبارة إذ لا يقال: يا خالق القاذورات ولا المقدر للزنا والممكن منه، ثم قال: ولا يخفى ما فيه فإنه تعالى لا يصلح محلا للقتل ولا للضرب ونجوه ما قصد بالاذلال وإنما هو خالق له، والفعل لا يسند حقيقة إلى خالقه وإن كان هو الفاعل الحقيقي للفرق بينه وبين الفاعل اللغوي إذ لا يقال: كتب الله تعالى بيد زيد على أنه حقيقة بلا شبهة مع أنه لا شناعة فيه لقوله سبحانه:كَتَبَ ٱللَّهُ } [المجادلة: 21] فما ذكره غير مسلم ا هـ.

وأنا أقول: إن مسألة خلق الأفعال قد قضى العلماء المحققون الوطر منها فلا حاجة إلى بسط الكلام فيها، وقد تكلموا في الآية بما تكلموا لكن بقي فيها شيء وهو السر في نسبة التعذيب إليه تعالى وذكر الأيدي ولم يذكروه، ولعل ذلك في النسبة إرادة المبالغة فانه تعذيب الله تعالى القوي العزيز وإن كان بأيدي العباد وفي ذكر الأيدي إما التنصيص على أن ذلك في الدنيا لا في الآخرة وإما لتكون البشارة بالتعذيب على الوجه الأتم الذي يترتب عليه شفاء الصدور ونحوه على الوجه الأكمل إذ فرق بين تعذيب العدو بيد عدوه وتعذيبه لا بيده، ولعمري أن الأول أحلى وأوقع في النفس فافهم.

السابقالتالي
2