الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْعَظِيمِ }

{ فَإِن تَوَلَّوْاْ } تلوين للخطاب وتوجيه له إليه صلى الله عليه وسلم تسلية له، أي فإن أعرضوا عن الإيمان بك { فَقُلْ حَسْبِيَ ٱللَّهُ } فإنه يكفيك معرَّتهم ويعينك عليهم { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } استئناف كالدليل لما قبله لأن المتوحد بالألوهية هو الكافي المعين { عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ } فلا أرجو ولا أخاف إلا منه سبحانه { وَهُوَ رَبُّ ٱلْعَرْشِ } أي الجسم المحيط بسائر الأجسام ويسمى بفلك الأفلاك وهو محدد الجهات { ٱلْعَظِيمِ } الذي لا يعلم مقدار عظمته إلا الله تعالى. وفي الخبر «أن الأرض بالنسبة إلى السماء الدنيا كحلقة في فلاة وكذا السماء الدنيا بالنسبة إلى السماء التي فوقها وهكذا إلى السماء السابعة وهي بالنسبة إلى الكرسي كحلقة في فلاة وهو بالنسبة إلى العرش كذلك» وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه لا يقدر قدره أحد، وذكر أهل الأرصاد أن بعد مقعر الفلك الأعظم من مركز العالم ثلاثة وثلاثون ألف ألف وخمسمائة وأربعة وعشرون ألفاً وستمائة وتسع فراسخ، وأن بعد محدبه منه قد بلغ مرتبة لا يعلمها إلا الله الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء وهو بكل شيء عليم، وقد يفسر العرش هنا بالملك وهو أحد معانيه كما في «القاموس»، وقرىء { ٱلْعَظِيمِ } بالرفع على أنه صفة الرب.

وختم سبحانه هذه السورة بما ذكر لأنه تعالى ذكر فيها التكاليف الشاقة والزواجر الصعبة فأراد جل شأنه أن يسهل عليهم ذلك ويشجع النبـي صلى الله عليه وسلم على تبليغه، وقد تضمن من أوصافه صلى الله عليه وسلم الكريمة ما تضمن، وقد بدأ سبحانه من ذلك بكونه من أنفسهم لأنه كالأم في هذا الباب، ولا ينافي وصفه صلى الله عليه وسلم بالرأفة والرحمة بالمؤمنين تكليفه إياهم في هذه السورة بأنواع من التكاليف الشاقة لأن هذا التكليف أيضاً من كمال ذلك الوصف من حيث أنه سبب للتخلص من العقاب المؤبد والفوز بالثواب المخلد، ومن هذا القبيل معاملته صلى الله عليه وسلم للثلاثة الذين خلفوا كما علمت، وما أحسن ما قيل
فقسا ليزدجروا ومن يك حازماً   فليقس أحياناً على من يرحم
وهاتان الآيتان على ما روي عن أبـي بن كعب آخر ما نزل من القرآن. لكن روى الشيخان عن البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه أنه قال: آخر آية نزلتيَسْتَفْتُونَكَ قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي ٱلْكَلَـٰلَةِ } [النساء: 176] وآخر سورة نزلت براءة. وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما آخر آية نزلتوَٱتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِ } [البقرة: 281] وكان بين نزولها وموته صلى الله عليه وسلم ثمانون يوماً، وقيل: تسع ليال، وحاول بعضهم التوفيق بين الروايات في هذا الشأن بما لا يخلو عن كدر.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7