الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا كَانَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي ٱلدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوۤاْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ }

{ وَمَا كَانَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَافَّةً } أي ما استقام لهم أن يخرجوا إلى الغزو جميعاً. روى الكلبـي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه تعالى لما شدد على المتخلفين قالوا: لا يتخلف منا أحد عن جيش أو سرية أبداً ففعلوا ذلك وبقي رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده فنزل { وَمَا كَانَ } الخ والمراد نهيهم عن النفير جميعاً لما فيه من الإخلال بالتعلم { فَلَوْلاَ نَفَرَ } لولا هنا تحضيضية، وهي مع الماضي تفيد التوبيخ على ترك الفعل ومع المضارع تفيد طلبه والأمر به لكن اللوم على الترك فيما يمكن تلافيه قد يفيد الأمر به في المستقبل أي فهلا نفر { مِن كُلّ فِرْقَةٍ } أي جماعة كثيرة { مِنْهُمْ } كأهل بلدة أو قبيلة عظيمة { طَائِفَةٌ } أي جماعة قليلة، وحمل الفرقة والطائفة على ذلك مأخوذ من السياق و { من } التبعيضية لأن البعض في الغالب أقل من الباقي وإلا فالجوهري لم يفرق بينهما، وذكر بعضهم أن الطائفة قد تقع على الواحد، وآخرون أنها لا تقع وأن أقلها اثنان، وقيل: ثلاثة { لّيَتَفَقَّهُواْ فِى ٱلدّينِ } أي ليتكلفوا الفقاهة فيه فصيغة التفعل للتكلف، وليس المراد به معناه المتبادر بل مقاساة الشدة في طلب ذلك لصعوبته فهو لا يحصل بدون جد وجهد { وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ } أي عما ينذرون منه وضمير { يَتَفَقَّهُواْ } و { يُنذِرُواْ } عائد إلى الفرقة الباقية المفهومة من الكلام، وقيل: لا بد من إضمار وتقدير، أي فلولا نفر من كل فرقة طائفة وأقام طائفة ليتفقهوا الخ. وكان الظاهر أن يقال: ليعلموا بدل { لِيُنذِرُواْ } ويفقهون بدل { يَحْذَرُونَ } لكنه اختير ما في النظم الجليل للإشارة إلى أنه ينبغي أن يكون غرض المعلم الإرشاد والإنذار وغرض المتعلم اكتساب الخشية لا التبسط والاستكبار.

قال حجة الإسلام الغزالي عليه الرحمة: ((كان اسم الفقه في العصر الأول اسماً لعلم الآخرة ومعرفة دقائق آفات النفوس ومفسدات الأعمال وقوة الإحاطة بحقارة الدنيا وشدة التطلع إلى نعيم الآخرة واستيلاء الخوف على القلب وتدل عليه هذه الآية فما به الإنذار والتخويف هو الفقه دون تعريفات الطلاق واللعان والسلم والإجارات، وسأل فرقد السبخي الحسن عن شيء فأجابه فقال: إن الفقهاء يخالفونك فقال الحسن: ثكلتك أمك هل رأيت / فقيهاً بعينك؟ إنما الفقيه الزاهد في الدنيا الراغب في الآخرة البصير بدينه المداوم على عبادة ربه الورع الكاف عن أعراض المسلمين العفيف عن أموالهم الناصح لجماعتهم، ولم يقل في جميع ذلك الحافظ لفروع الفتاوى)) اهـ وهو من الحسن بمكان، لكن الشائع إطلاق الفقيه على من يحفظ الفروع مطلقاً سواء كانت بدلائلها أم لا كما في «التحرير». وفي «البحر» عن «المنتقى» ما يوافقه، واعتبر في «القنية» الحفظ مع الأدلة فلا يدخل في الوصية للفقهاء من حفظ بلا دليل.

السابقالتالي
2