الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً وَلاَ يَقْطَعُونَ وَادِياً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ ٱللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }

{ وَلاَ يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً } ولو تمرة أو علاقة سوط { وَلاَ كَبِيرَةً } كما أنفق عثمان رضي الله تعالى عنه في جيش العسرة، وذكر الكبيرة بعد الصغيرة وان علم من الثواب على الأولى الثواب على الثانية لأن المقصود التعميم لا خصوص المذكور إذ المعنى ولا ينفقون شيئاً ما فلا يتوهم أن الظاهر العكس، وفي «أرشاد العقل السليم» أن الترتيب باعتبار كثرة الوقوع وقلته، وتوسيط { لا } للتنصيص على استبداد كل منهما بالكتب والجزاء لا لتأكيد النفي كما في قوله تعالى شأنه: { وَلاَ يَقْطَعُونَ } أي ولا يتجاوزون في سيرهم لغزو { وَادِيًا } وهو في الأصل اسم فاعل من ودى إذا سال فهو بمعنى السيل نفسه ثم شاع في محله وهو المنفرج من الجبال والآكام التي يسيل فيها الماء - ثم صار حقيقة في مطلق الأرض ويجمع على أودية كناد على أندية وناج على أنجية ولا رابع لهذه على ما قيل في كلام العرب { إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ } أي أثبت لهم أو كتب في الصحف أو اللوح ولا يفسر الكتب بالاستحقاق لمكان التعليل بعد، وضمير { كِتَـٰبَ } على طرز ما سبق أي المذكور أو كل واحد، وقيل: هو للعمل وليس بذاك وفصل هذا وأخر لأنه أهون مما قبله.

{ لِيَجْزِيَهُمُ ٱللَّهُ } بذلك { أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } أي أحسن جزاء أعمالهم على معنى أن لأعمالهم جزاء حسناً وأحسن وهو سبحانه اختار لهم أحسن جزاء / فانتصاب { أَحْسَنُ } على المصدرية لإضافته إلى مصدر محذوف. وقال الإمام [الرازي]: ((فيه وجهان: الأول أن الأحسن (صفة عملهم وفيه)الواجب والمندوب والمباح فهو { يَجْزِيَهُمُ } على الأولين دون الأخير))، والظاهر أن نصب { أَحْسَنُ } حينئذ على أنه بدل اشتمال من ضمير (يجزيهم) كما قيل. وأورد عليه أنه ناء عن المقام مع قلة فائدته لأن حاصله أنه تعالى يجزيهم على الواجب والمندوب وأن ما ذكر منه ولا يخفى ركاكته وأنه غير خفي على أحد وكونه كناية عن العفو عما فرط منهم في خلاله أن وقع لأن تخصيص الجزاء به يشعر بأنه لا يجازي على غيره خلاف الظاهر، ثم قال: ((الثاني أن الأحسن صفة للجزاء أي ليجزيهم جزاء هو أحسن من أعمالهم [وأجل] وأفضل وهو الثواب)). واعترضه أبو حيان بأنه ((إذا كان الأحسن [من] صفة الجزاء كيف يضاف إلى الأعمال وليس بعضاً منها وكيف يفضل عليهم بدون من))، ولا وجه لدفعه بأن أصله مما كانوا الخ فحذف { مِنْ } مع بقاء المعنى على حاله كما قيل لأنه لا محصل له. هذا ووصف النفقة بالصغيرة والكبيرة دون القليلة والكثيرة مع أن المراد ذلك قيل حملاً للطاعة على المعصية فإنها إنما توصف بالصغيرة والكبيرة في كلامهم دون القليلة والكثيرة فتأمل.