الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوۤاْ أُوْلِي قُرْبَىٰ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ ٱلْجَحِيمِ }

{ مَا كَانَ } أي ما صح في حكم الله عز وجل وحكمته وما استقام { لِلنَّبِىّ وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } بالله تعالى على الوجه المأمور به { أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ } به سبحانه { وَلَوْ كَانُواْ } أي المشركون { أُوْلِي قُرْبَىٰ } أي ذوي قرابة لهم، وجواب { لَوْ } محذوف لدلالة ما قبله عليه، والجملة معطوفة على جملة أخرى قبلها محذوفة حذفاً مطرداً أي لو لم يكونوا أولى قربـى ولو كانوا كذلك { مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ } أي للنبـي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين { أَنَّهُمْ } أي المشركين { أَصْحَـٰبِ ٱلْجَحِيمِ } بأن ماتوا على الكفر أو نزل الوحي بأنهم مطبوع على قلوبهم لا يؤمنون أصلاً، وفيه دليل على صحة الاستغفار لأحيائهم الذين لا قطع بالطبع على قلوبهم، والمراد منه في حقهم طلب توفيقهم للإيمان، وقيل: إنه يستلزم ذلك بطريق الاقتضاء فلا يقال: إنه لا فائدة في طلب المغفرة للكافر، والآية على الصحيح نزلت في أبـي طالب فقد أخرج أحمد، وابن أبـي شيبة / والبخاري ومسلم والنسائي وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في «الدلائل» وآخرون عن المسيب بن حزن قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة دخل عليه النبـي صلى الله عليه وسلم وعنده أبو جهل وعبد الله بن أبـي أمية فقال النبـي عليه الصلاة والسلام: أي عم قل لا إله إلا الله أحاج لك بها عند الله فقال أبو جهل وعبد الله بن أبـي أمية: يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه وأبو جهل وعبد الله يعاودانه بتلك المقالة فقال أبو طالب آخر ما كلمهم: هو على ملة عبد المطلب وأبـى أن يقول: لا إله إلا الله فقال النبـي صلى الله عليه وسلم: لأستغفرن لك ما لم أنه عنك فنزلت { مَا كَانَ لِلنَّبِيّ } الآية.

واستبعد ذلك الحسين بن الفضل بأن موت أبـي طالب قبل الهجرة بنحو ثلاث سنين وهذه السورة من أواخر ما نزل بالمدينة. قال الواحدي: وهذا الاستبعاد مستبعد فأي بأس أن يقال: كان عليه الصلاة والسلام يستغفر لأبـي طالب من ذلك الوقت إلى وقت نزول الآية فإن التشديد مع الكفار إنما ظهر في هذه السورة، وذكر نحواً من هذا صاحب «التقريب»، وعليه لا يراد بقوله: فنزلت في الخبر أن النزول كان عقيب القول بل يراد أن ذلك سبب النزول، فالفاء فيه للسببية لا للتعقيب. واعتمد على هذا التوجيه كثير من جلة العلماء بل يراد أن ذلك سبب النزول، فالفار فيه للسببية لا للتعقيب. واعتمد على هذا التوجيه كثير من جلة العلماء وهو توجيه وجيه، خلا أنه يعكر عليه ما أخرجه ابن سعد وابن عساكر عن علي كرم الله تعالى وجهه قال: أخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم بموت أبـي طالب فبكى فقال: «اذهب فغسله وكفنه وواره غفر الله له ورحمه ففعلت وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغفر له أياماً ولا يخرج من بيته حتى نزل عليه جبريل عليه الصلاة والسلام بهذه الآية { مَا كَانَ لِلنَّبِيّ } الخ» فإنه ظاهر في أن النزول قبل الهجرة لأن عدم الخروج من البيت فيه مغيا به، اللهم إلا أن يقال بضعف الحديث لكن لم نر من تعرض له، والأولى في الجواب عن أصل الاستبعاد أن يقال: إن كون هذه السورة من أواخر ما نزل باعتبار الغالب كما تقدم فلا ينافي نزول شيء منها في المدينة.

السابقالتالي
2 3