الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلتَّائِبُونَ ٱلْعَابِدُونَ ٱلْحَامِدُونَ ٱلسَّائِحُونَ ٱلرَّاكِعُونَ ٱلسَّاجِدونَ ٱلآمِرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱلنَّاهُونَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ وَٱلْحَافِظُونَ لِحُدُودِ ٱللَّهِ وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ }

{ ٱلتَّـٰئِبُونَ } نعت للمؤمنين، وقطع لأجل المدح أي هم التائبون ويدل على ذلك قراءة عبد الله. وأبـي { التائبين } بالياء على أنه منصوب على المدح أو مجرور على أنه صفة للمؤمنين. وجوز أن يكون { ٱلتَّـٰئِبُونَ } مبتدأ والخبر محذوف أي من أهل الجنة أيضاً وإن لم يجاهدوا كقوله تعالى:وَكُلاًّ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْحُسْنَىٰ } [النساء: 95] فإن كلاً فيه عام، والحسنى بمعنى الجنة. وقيل: الخبر قوله تعالى: { ٱلْعَـٰبِدُونَ } وما بعده خبر بعد خبر، وقيل: خبره { ٱلاْمِرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ } وقيل: إنه بدل من ضميريُقَـٰتَلُونَ } [التوبة: 111] والأول أظهر إلا أنه يكون الموعود بالجنة عليه هو المجاهد المتصف بهذه الصفات لا كل مجاهد وبذلك يشعر ما أخرجه ابن أبـي شيبة وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: الشهيد من كان فيه الخصال التسع وتلا هذه الآية. وأورد عليه أنه ينافي ذلك ما صح من حديث مسلم من أن من قتل في سبيل الله تعالى وهو صابر محتسب مقبل غير مدبر كفرت خطاياه إلا الدين فإنه ظاهر في أن المجاهد قد لا يكون متصفاً بجميع ما في الآية من الصفات وإلا لا يبقى لتكفير الخطايا وجه، وكأنه من هنا اختار الزجاج كونه مبتدأ والخبر محذوف كما سمعت إذ في الآية عليه تبشير مطلق المجاهدين بما ذكر وهو المفهوم من ظواهر الأخبار. نعم دل كثير منها على أن الفضل الوارد في المجاهدين مختص بمن قاتل لتكون كلمة الله تعالى هي العليا وأن من قاتل للدنيا والسمعة استحق النار. وفي «صحيح مسلم» ما يقتضي ذلك فليفهم.

والمراد من التائبين على ما أخرجه ابن جرير وابن المنذر وغيرهما عن الحسن وقتادة الذين تابوا عن الشرك ولم ينافقوا. وأخرج ابن أبـي حاتم وأبو الشيخ عن الضحاك أنهم الذين تابوا عن الشرك والذنوب، وأيد ذلك بأن التائبين في تقدير الذين تابوا وهو من ألفاظ العموم يتناول كل تائب فتخصيصه بالتائب عن بعض المعاصي تحكم. وأجيب بأن ذكرهم بعد ذكر المنافقين ظاهر في حمل التوبة على التوبة عن الكفر والنفاق، وأيضاً لو حملت التوبة على التوبة عن المعاصي يكون ما ذكر بعد من الصفات غير تام الفائدة مع أن من اتصف بهذه الصفات الظاهر اجتنابه للمعاصي، والمراد / من العابدين الذين أتوا بالعباد على وجهها، وقال الحسن: هم الذين عبدوا الله تعالى في أحايينهم كلها، أما والله ما هو بشهر ولا شهرين ولا سنة ولا سنتين ولكن كما قال العبد الصالح:وَأَوْصَانِي بِٱلصَّلاَةِ وَٱلزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً } [مريم: 31] وقال قتادة: هم قوم أخذوا من أبدانهم في ليلهم ونهارهم.

{ ٱلْحَـٰمِدُونَ } أي الذين يحمدون الله تعالى على كل حال كما روي عن غير واحد من السلف، فالحمد بمعنى الوصف بالجميل مطلقاً، وقيل: هو بمعنى الشكر فيكون في مقابلة النعمة أي الحامدون لنعمائه تعالى وأنت تعلم أن الحمد في كل حال أولى وفيه تأس برسول الله صلى الله عليه وسلم: فقد أخرج ابن مردويه وأبو الشيخ والبيهقي في «الشعب» عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

السابقالتالي
2 3