الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ ٱلَّذِي بَنَوْاْ رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }

{ لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ ٱلَّذِى بَنَوْاْ } أي بناؤهم الذي بنوه، فالبنيان مصدر أريد به المفعول كما مر، ووصفه بالمفرد ما يرد على مدعي الجمعية وكذا الإخبار عنه بقوله سبحانه: { رِيبَةً فِى قُلُوبِهِمْ } واحتمال تقدير مضاف وجعل الصفة وكذا الخبر له خلاف الظاهر. نعم قيل: الإخبار بريبة لا دليل فيه على عدم الجمعية لأنه يقال: الحيطان منهدمة والجبال راسية؛ وجوز بعضهم كون البنيان باقياً على المصدرية و { ٱلَّذِي } مفعوله، والريبة اسم من الريب بمعنى الشك وبذلك فسرها ابن عباس رضي الله تعالى عنهما والمراد به شكهم في نبوته صلى الله عليه وسلم المضمر في قلوبهم وهو عين النفاق، وجعل بنيانهم نفس الريبة للمبالغة في كونه سبباً لها. قال الإمام: ((وفي ذلك وجوه. أحدها أن المنافقين عظم فرحهم ببنيانه فلما أمر بتخريبه ثقل عليهم وازداد غيظهم وارتيابهم في نبوته صلى الله عليه وسلم. وثانيها: أنه لما أمر بتخريبه ظنوا أن ذلك للحسد فارتفع أمانهم عنه صلى الله عليه وسلم وعظم خوفهم [منه في كل الأوقات] فارتابوا في أنهم هل يتركون على حالهم أو يؤمر بقتلهم ونهب أموالهم؟ وثالثها أنهم اعتقدوا أنهم كانوا محسنين في البناء فلما أمر بتخريبه بقوا شاكين مرتابين في أنه لأي سبب أمر بذلك والصحيح هو الأول)) ويمكن كما قال العلامة الطيبـي أن يرجح الثاني بأن تحمل الريبة على أصل موضوعها ويراد منها قلق النفس واضطرابها. وحاصل المعنى لا يزال هدم بنيانهم الذي بنوا سبباً للقلق والاضطراب والوجل في القلوب ووصف بنيانهم بما وصف للإيذان بكيفية بنائهم له وتأسيسه على ما عليه تأسيسه مما علمت وللإشعار بعلة الحكم، وقيل: وصف بذلك للدلالة على أن المراد بالبنيان ما هو المبني حقيقة لا ما دبروه من الأمور فإن البناء قد يطلق على تدبير الأمر وتقديره / كما في قولهم كم أبني وتهدم؟ وعليه قوله:
متى يبلغ البنيان يوماً تمامه   إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم
وحاصله أن الوصف للتأكيد وفائدته دفع المجاز، وهذا نظير ما قالوا في قوله سبحانه:وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيماً } [النساء: 164] وفيه بحث.

والاستثناء في قوله تعالى: { إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ } من أعم الأوقات أو أعم الأحوال وما بعد { إِلاَّ } في محل النصب على الظرفية أي لا يزال بنيانهم ريبة في كل وقت إلا وقت تقطع قلوبهم أو في كل حال إلا حال تقطعها أي تفرقها وخروجها عن قابلية الإدراك وهذا كناية عن تمكن الريبة في قلوبهم التي هي محل الإدراك وإضمار الشرك بحيث لا يزول منها ما داموا أحياء إلا إذا تقطعت وفرقت وحينئذ تخرج منها الريبة وتزول، وهو خارج مخرج التصوير والفرض، وقيل: المراد بالتقطع ما هو كائن بالموت من تفرق أجزاء البدن حقيقة وروي ذلك عن بعض السلف.

السابقالتالي
2 3 4