الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأَمْرِ ٱللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }

{ وَآخَرُونَ } عطف علىآخَرُونَ } [التوبة: 102] قبله أي ومنهم قوم آخرون غير المعترفين المذكورين { مُرْجَوْنَ } أي مؤخرون وموقوف أمرهم { لاْمْرِ ٱللَّهِ } أي إلى أن يظهر أمر الله تعالى في شأنهم. وقرأ أهل المدينة والكوفة غير أبـي بكر { مُرْجَوْنَ } بغير همزة والباقون { مُرْجَؤُوْن } بالهمز وهما لغتان يقال: أرجأته وأرجيته كأعطيته، ويحتمل أن يكون الياء بدلاً من الهمزة كقولهم: قرأت وقريت وتوضأت وتوضيت وهو في كلامهم كثير، وعلى كونه لغة أصلية هو يائي، وقيل: إنه واوي، ومن هذه المادة المرجئة إحدى فرق أهل القبلة وقد جاء فيه الهمز وتركه، وسموا بذلك لتأخيرهم المعصية عن الاعتبار في استحقاق العذاب حيث / قالوا: لا عذاب مع الإيمان فلم يبق للمعصية عندهم أثر، وفي «المواقف» سموا مرجئة لأنهم يرجون العمل عن النية أي يؤخرونه في الرتبة عنها وعن الاعتقاد، أو لأنهم يعطون الرجاء في قولهم: لا يضر مع الإيمان معصية انتهى. وعلى التفسيرين الأولين يحتمل أن يكون بالهمز وتركه، وأما على الثالث فينبغي أن يقال مرجئة بفتح الراء وتشديد الجيم.

والمراد بهؤلاء المرجون كما في «الصحيحين» هلال بن أمية وكعب بن مالك ومرارة بن الربيع وهو المروي عن ابن عباس وكبار الصحابة رضي الله تعالى عنهم، وكانوا قد تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمر ما مع الهم باللحاق به عليه الصلاة والسلام فلم يتيسر لهم ولم يكن تخلفهم عن نفاق وحاشاهم فقد كانوا من المخلصين فلما قدم النبـي صلى الله عليه وسلم وكان ما كان من المتخلفين قالوا: لا عذر لنا إلا الخطيئة ولم يعتذروا له صلى الله عليه وسلم ولم يفعلوا كما فعل أهل السواري وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم باجتنابهم وشدد الأمر عليهم كما ستعلمه إن شاء الله تعالى إلى أن نزل قوله سبحانه:لَقَدْ تَابَ الله عَلَىٰ ٱلنَّبِىّ وَٱلْمُهَـٰجِرِينَ وَٱلاْنصَـٰرِ } [التوبة:117] الخ، وقد وقف أمرهم خمسين ليلة لا يدرون ما الله تعالى فاعل بهم.

{ إِمَّا يُعَذّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ } في موضع الحال أي منهم هؤلاء إما معذبين وإما متوباً عليهم. وقيل: خبر { آخَرُونَ } على أنه مبتدأ و { مُرْجَوْنَ } صفته، والأول أظهر، و { إِمَّا } للتنويع على معنى أن أمرهم دائر بين هذين الأمرين، وقيل: للترديد بالنظر للفساد؛ والمعنى ليكن أمرهم عندكم بين الرجاء والخوف، والمقصود تفويض ذلك إلى إرادة الله تعالى ومشيئته إذ لا يجب عليه سبحانه تعذيب العاصي ولا مغفرة التائب. وإنما شدد عليهم مع إخلاصهم، والجهاد فرض كفاية لما نقل عن ابن بطال في «الروض الأنف» وارتضاه أن الجهاد كان على الأنصار خاصة فرض عين لأنهم بايعوا النبـي صلى الله عليه وسلم عليه، ألا ترى قول راجزهم في الخندق:

السابقالتالي
2