الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَآخَرُونَ ٱعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى ٱللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

{ وَءاخَرُونَ } بيان لحال طائفة من المسلمين ضعيفة الهمم في أمر الدين ولم يكونوا منافقين على الصحيح. وقيل: هم طائفة من المنافقين إلا أنهم وفقوا للتوبة فتاب الله عليهم. قيل: وهو مبتدأ خبره جملة { خَلَطُواْ } وهي حال بتقدير ـ قد ـ والخبر جملة { عَسَى ٱللَّهُ } الخ، والمحققون على أنه معطوف علىمُنَـٰفِقُونَ } [التوبة:101] أي ومنهم يعني ممن حولكم أو من أهل المدينة قوم آخرون { ٱعْتَرَفُواْ } أي أقروا عن معرفة { بِذُنُوبِهِمْ } التي هي تخلفهم عن الغزو وإيثار الدعة عليه / والرضا بسوء جوار المنافقين ولم يعتذروا بالمعاذير الكاذبة المؤكدة بالإيمان الفاجرة وكانوا على ما أخرج البيهقي في «الدلائل» وغيره عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عشرة تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فلما حضر رجوع رسول الله صلى الله عليه وسلم أوثق سبعة منهم أنفسهم بسواري المسجد وكان ممر النبـي عليه الصلاة والسلام إذا رجع في المسجد عليهم فلما رآهم قال: من هؤلاء الموثقون أنفسهم؟ قالوا: هذا أبو لبابة وأصحاب له تخلفوا عنك يا رسول الله وقد أقسموا أن لا يطلقوا أنفسهم حتى تكون أنت الذي تطلقهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وأنا أقسم بالله تعالى لا أطلقهم ولا أعذرهم حتى يكون الله تعالى هو الذي يطلقهم فأنزل الله تعالى الآية فأرسل عليه الصلاة والسلام إليهم فأطلقهم وعذرهم. وفي رواية أخرى عنه أنهم كانوا ثلاثة، وأخرج ابن أبـي حاتم عن زيد أنهم كانوا ثمانية، وروي أنهم كانوا خمسة، والروايات متفقة على أن أبا لبابة بن عبد المنذر منهم.

{ خَلَطُواْ عَمَلاً صَـٰلِحاً } خروجاً إلى الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم { وَءاخَرَ سَيّئاً } تخلفاً عنه عليه الصلاة والسلام روي هذا عن الحسن والسدي وعن الكلبـي أن الأول التوبة والثاني الإثم، وقيل: العمل الصالح يعم جميع البر والطاعة، والسيء ما كان ضده. والخلط المزج وهو يستدعي مخلوطاً ومخلوطاً به والأول هنا هو الأول والثاني هو الثاني عند بعض، والواو بمعنى الباء كما نقل عن سيبويه في قولهم: بعت الشاء شاة ودرهماً، وهو من باب الاستعارة لأن الباء للإلصاق والواو وللجمع وهما من واد واحد، ونقل شارح «اللباب» عن ابن الحاجب أن أصل المثال بعت الشاة بدرهم أي مع درهم ثم كثر ذلك فأبدلوا من باء المصاحبة واواً فوجب أن يعرب ما بعدها بإعراب ما قبلها كما في قولهم: كل رجل وضيعته، ولا يخفى ما فيه من التكلف.

وذكر الزمخشري ((أن كل واحد من المتعاطفين مخلوط ومخلوط به لأن المعنى خلط كل واحد منهما بالآخر كقولك: خلطت الماء واللبن تريد خلطت كل واحد منهما بصاحبه، وفيه ما ليس في قولك: خلطت الماء باللبن لأنك جعلت الماء مخلوطاً واللبن مخلوطاً به وإذا قلته بالواو وجعلت الماء واللبن مخلوطين ومخلوطاً بهما كأنك قلت خلطت الماء باللبن واللبن بالماء)) وحاصله أن المخلوط به في كل واحد من الخلطين هو المخلوط في الآخر لأن الخلط لما اقتضى مخلوطاً به فهو إما الآخر أو غيره والثاني منتف بالأصل والقرينة لدلالة سياق الكلام إذا قيل: خلطت هذا وذاك على أن كلاً منهما مخلوط ومخلوط به وهو أبلغ من أن يقال خلطت أحدهما بالآخر إذ فيه خلط واحد وفي الواو خلطان.

السابقالتالي
2 3