الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِّنَ ٱلأَعْرَابِ مُنَٰفِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ ٱلْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى ٱلنِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٍ }

{ وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مّنَ ٱلاْعْرَابِ } شروع في بيان [أحوال] منافقي أهل المدينة ومن حولها من الأعراب بعد بيان حال أهل البادية منهم أي وممن حول بلدكم { مُنَـٰفِقُونَ } والمراد بالموصول كما أخرج ابن المنذر عن عكرمة: جهينة ومزينة وأشجع وأسلم وغفار؛ وكانت منازلهم حول المدينة، وإلى هذا ذهب جماعة من المفسرين كالبغوي والواحدي وابن الجوزي وغيرهم واستشكل ذلك بأن النبـي صلى الله عليه وسلم مدح هذه القبائل ودعا لبعضها، فقد أخرج الشيخان وغيرهما عن أبـي هريرة عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: " قريش والأنصار وجهينة ومزينة وأشجع وأسلم وغفار موالي الله تعالى ورسوله لا موالي لهم غيره " ، وجاء عنه أيضاً أنه صلى الله عليه وسلم قال: " أسلم سالمها الله تعالى وغفار غفر الله لها أما إني لم أقلها لكن قالها الله تعالى " ، وأجيب بأن ذلك باعتبار الأغلب منهم.

{ وَمِنْ أَهْلِ ٱلْمَدِينَةِ } عطف على { مِمَّنْ حَوْلَكُم } فيكون كالمعطوف عليه خبراً عن ـ المنافقون ـ كأنه قيل: المنافقون من قوم حولكم ومن أهل المدينة، وهو من عطف مفرد على مفرد ويكون قوله سبحانه: { مَرَدُواْ عَلَى ٱلنّفَاقِ } جملة مستأنفة لا محل لها من الإعراب مسوقة لبيان غلوهم في النفاق إثر بيان اتصافهم به أو صفة لمنافقون، واستبعده أبو حيان بأن فيه الفصل بين الصفة وموصوفها، وجوز أن يكون { مّنْ أَهْلِ ٱلْمَدِينَةِ } خبر مقدم والمبتدأ بعده محذوف قامت صفته مقامه والتقدير ومن أهل المدينة قوم مردوا، وحذف الموصوف وإقامة صفته مقامه إذا كان بعض اسم مجرور بمن أو في مقدم عليه مقيس شائع نحو ـ منا أقام ومنا ظعن ـ، وفي غير ذلك ضرورة أو نادر، ومنه قول سحيم
:   أنا ابن جلا وطلاع الثنايا
متى أضع العمامة تعرفوني   
على أحد التأويلات فيه. وأصل المرود على ما ذكره علي بن عيسى الملاسة ومنه صرح ممرد، والأمرد الذي لا شعر على وجهه، والمرداء الرملة التي لا تنبت شيئاً، وقال ابن عرفة: أصله الظهور ومنه قولهم: شجرة مرداء إذا تساقط ورقها وأظهرت عيدانها، وفي «القاموس» ((مرد كنصر وكرُم مروداً ومرودة ومَرَادة فهو مارد ومَرِيد ومتمرد أقدم وعتا أو هو أن يبلغ الغاية التي يخرج بها من جملة ما عليه ذلك الصنف)) وفسروه بالاعتياد والتدرب في الأمر حتى يصير ماهرا فيه وهو قريب مما ذكره في «القاموس» من بلوغ الغاية، ولا يكاد يستعمل إلا في الشر. وهو على الوجهين الأولين شامل للفريقين حسب شمول النفاق، وعلى الوجه الأخير خاص بمنافقي أهل المدينة واستظهر ذلك، وقيل: إنه الأنسب بذكر منافقي أهل البادية أولا ثم ذكر منافقي الأعراب المجاورين ثم ذكر منافقي أهل المدينة ويبقى على هذا أنه لم يبين مرتبة المجاورين في النفاق بخلافه على تقدير شموله للفريقين؛ ثم لا يخفى أن التمرد على النفاق إذا اقتضى الأشدية فيه أشكل عليه تفسيرهم المفضل في قوله سبحانه:

السابقالتالي
2 3