الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَذَكَرَ ٱسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّىٰ }

{ وَذَكَرَ ٱسْمَ رَبّهِ } بلسانه وقلبه لا بلسانه مع غفلة القلب إذ مثل ذلك لا ثواب فيه فلا ينبغي أن يدخل فيما يترتب عليه الفلاح والذكر القلبـي باستحضار اسمه تعالى في القلب وإن كان ممدوحاً بلا شبهة إلا أن إرادته بخصوصه مما ذكر خلاف الظاهر وحكاه في «مجمع البيان» عن بعض وما روى عن ابن عباس من قوله أي ذكر معاده وموقفه بين يدي ربه عز وجل ظاهر فيه وفي إقحام لفظ (اسم). وذهب بعض الحنفية إلى أن المراد بهذا الذكر تكبيرة الافتتاح كأنه قيل وكبر للافتتاح.

{ فَصَلَّىٰ } أي الصلوات الخمس كما أخرجه ابن المنذر وغيره عن ابن عباس وروي ذلك في حديث مرفوع وقيل الصلاة المفروضة وما أمكن من النوافل. واحتج بذلك على وجوب التكبيرة حيث نيط به الفلاح ووقع بين واجبين بل فرضين التزكي من الشرك والصلاة مع أن الاحتياط في العبادات واجب / فلا يضر الاحتمال، وعلى أن الافتتاح جائز بكل اسم من أسمائه عز وجل وهو ظاهر، وعلى أن التكبيرة شرط لا ركن للعطف بالفاء وعطف الكل على الجزء كعطف العام على الخاص وإن جاز لا يكون بها مع أنه لو سلم صحته بتكلف فلا بد من نكتة ليدعى وقوعه في الكلام المعجز فحيث لم تظهر لم يصح ادعاؤه وبناء الركنية عليه، والإنصاف أنه مع ما سمعت احتجاج ليس بالقوي وقيل هو خصوص بسم الله الرحمن الرحيم قبل الصلاة وليس بشيء.

وعن علي كرم الله تعالى وجههتَزَكَّىٰ } [الأعلى: 14] أي تصدق صدقة الفطر { وَذَكَرَ ٱسْمَ رَبِّهِ } كبر يوم العيد { فَصَلَّىٰ } صلاة العيد وعن جماعة من السلف ما يقتضي ظاهره ذلك. وتعقب بأن الصلاة مقدمة على الزكاة في القرآن وأن السورة مكية ولم يكن حينئذ عيد ولا فطر ورد بأن ذلك إذا ذكرت باسمها أما إذا ذكرت بفعل فتقديمها غير مطرد ومنهفَلاَ صَدَّقَ وَلاَ صَلَّىٰ } [القيامة: 31] على أنه يجوز أن تكون مخالفة العادة هٰهنا للإرشاد إلى أن هذه الزكاة المقدمة قولاً ينبغي تقديمها فعلاً على الصلاة ولهذا كانوا يخرجونها قبل أن يصلوا العيد كما جاء في الآثار، وكون السورة مكية غير مجمع عليه وعلى القول بمكيتها الذي هو الأصح يكون ذلك مما تأخر حكمه عن نزوله.

وأقول يجوز أن يقال { تَزَكَّىٰ } أي تطهر من الشرك بأن آمن من بقلبه { وَذَكَرَ ٱسْمَ رَبّهِ } أي قال لا إلٰه إلا الله { فَصَلَّىٰ } أي الصلاة المفروضة وأخرج ابن أبـي حاتم وابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس ما يؤيده فيكون { تَزَكَّىٰ } إشارة إلى التصديق بالجنان { وَذَكَرَ ٱسْمَ رَبّهِ } إلى النطق باللسان و { صَلَّىٰ } إلى العمل بالأركان لما أن الصلاة عماد الدين وأفضل الأعمال البدنية وناهية عن الفحشاء والمنكر فلا بدع أن تذكر فيراد جمع الأعمال البدنية والعبادات القالبية.

السابقالتالي
2