الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ سَبِّحِ ٱسْمَ رَبِّكَ ٱلأَعْلَىٰ }

أي نزه أسماءه عز وجل عما لا يليق فلا تؤول مما ورد منها اسماً من غير مقتض ولا تبقه على ظاهره إذا كان ما وضع له مما لا يصح له تعالى ولا تطلقه على غيره سبحانه أصلاً إذا كان مختصاً، كالاسم الجليل أو على وجه يشعر بأنه تعالى والغير فيه سواء إذ لم يكن مختصاً فلا تقل لمن أعطاك شيئاً مثلا هذا رازقي على وجه يشعر بذلك وصنه عن الابتذال والتلفظ به في محل لا يليق به كالخلاء وحالة التغوط وذكره لا على وجه الخشوع والتعظيم. وربما يعد مما لا يليق ذكره عند من يكره سماعه من غير ضرورة إليه. وعن الإمام مالك رضي الله تعالى عنه أنه كان إذا لم يجد ما يعطي السائل يقول ما عندي ما أعطيك أو ائتني في وقت آخر أو نحو ذلك ولا يقول نحو ما يقول الناس يرزقك الله تعالى أو يبعث الله تعالى لك أو يعطيك الله تعالى أو نحوه فسئل عن ذلك فقال إن السائل أثقل شيء على سمعه وأبغضه إليه قول المسؤول ما يفيده رده وحرمانه فأنا أجل اسم الله سبحانه من أن أذكره لمن يكره سماعه ولو في ضمن جملة، وهذا منه رضي الله تعالى عنه غاية في الورع. وما ذكر من التفسير مبني على الظاهر من أن لفظ { ٱسْمَ } غير مقحم وذهب كثير إلى أنه مقحم وهو قد يقحم لضرب من التعظيم على سبيل الكناية ومنه قول لبيد:
إلى الحول ثم اسم السلام عليكما   
فالمعنى نزه ربك عما لا يليق به من الأوصاف. واستدل لهذا بما أخرجه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجة وغيرهم " عن عقبة بن عامر الجهني قال لما نزلت { فَسَبّحْ بِٱسْمِ رَبّكَ ٱلْعَظِيمِ } [الواقعة: 74] قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم اجعلوها في ركوعكم فلما نزلت { سَبِّحِ ٱسْمَ رَبّكَ ٱلأَعْلَىٰ } قال اجعلوها في سجودكم " ومن المعلوم أن المجعول فيهما سبحان ربـي العظيم وسبحان ربـي الأعلى، وبما أخرج الإمام أحمد وأبو داود والطبراني والبيهقي في «سننه» " عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ { سَبِّحِ ٱسْمَ رَبّكَ ٱلأَعْلَىٰ } قال سبحان ربـي الأعلى " وروى عبد بن حميد وجماعة أن علياً كرم الله تعالى وجهه قرأ ذلك فقال سبحان ربـي الأعلى وهو في الصلاة فقيل له أتزيد في القرآن قال لا إنما أمرنا بشيء ففعلته.

وفي «الكشاف» ((تسبيح اسمه تعالى تنزيهه عما لا يصح فيه من المعاني التي هي إلحاد في أسمائه سبحانه كالجبر والتشبيه مثلاً وان يصان عن الابتذال والذكر لا على وجه الخشوع والتعظيم)) / فجعل المعنيين على ما قيل راجعين إلى الاسم وان كان الأول بالحقيقة راجعاً إليه عز وجل لكن كما يصح أن يقال نزه الذات عما لا يصح له من الأوصاف أن يقال أيضاً نزه أسماءه تعالى الدالة على الكمال عما لا يصح فيه من خلافه، وليس المعنى الأول مبنياً على أن لفظ (اسم) مقحم ولا على أن المراد به المسمى إطلاقاً لاسم الدال على المدلول، نعم قال به بعضهم هنا وهو إن كان للأخبار السابقة كما في دعوى الاقحام فلا بأس وإن كان لظن أن التسبيح لا يكون للألفاظ الموضوعة له تعالى فليس بشيء لفساد هذا الظن بظهور أن التسبيح يكون لها كما سمعت.

السابقالتالي
2 3