الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي ٱلأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ ٱلدُّنْيَا وَٱللَّهُ يُرِيدُ ٱلآخِرَةَ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

{ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ } قرأ أبو الدرداء وأبو حيوة { لِلنَّبِيّ } بالتعريف والمراد به نبينا / صلى الله عليه وسلم وهو عليه الصلاة والسلام المراد أيضاً على قراءة الجمهور عند البعض، وإنما عبر بذلك تلطفاً به صلى الله عليه وسلم حتى لا يوجه بالعتاب، ولذا قيل: إن ذاك على تقدير مضاف أي لأصحاب النبـي صلى الله عليه وسلم بدليل قوله تعالى الآتي: { تُرِيدُونَ } ولو قصد بخصوصه عليه الصلاة والسلام لقيل: تريد، ولأن الأمور الواقعة في القصة صدرت منهم لا منه صلى الله عليه وسلم وفيه نظر ظاهر، والظاهر أن المراد على قراءة الجمهور العموم ولا يبعد اعتباره على القراءة الأخرى أيضاً وهو أبلغ لما فيه من بيان أن ما يذكر سنة مطردة فيما بين الأنبياء عليهم السلام، أي ما صح وما استقام لنبـي من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام { أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ }. قرأ أبو عمرو ويعقوب { تكون } بالتاء الفوقية اعتباراً لتأنيث الجمع، وعن أبـي جعفر أنه قرأ أيضاً { أسارى } قال أبو علي: وقراءة الجماعة أقيس لأن أسيرا فعيل بمعنى مفعول، والمطرد فيه جمعه على فعلى كجريح وجرحى وقتيل وقتلى، ولذا قالوا في جمعه على أسارى: إنه على تشبيه فعيل بفعلان ككسلان وكسالى، وهذا كما قالوا كسلى تشبيهاً لفعلان بفعيل ونسب ذلك إلى الخليل، وقال الأزهري: إنه جمع أسرى فيكون جمع الجمع، واختار ذلك الزجاج وقال: إن فعلى جمع لكل من أصيب في بدنه أو في عقله كمريض ومرضى وأحمق وحمقى { حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي ٱلأَرْضِ } أي يبالغ في القتل ويكثر منه حتى يذل الكفر ويقل حزبه ويعز الإسلام ويستولي أهله، وأصل معنى الثخانة الغلظ والكثافة في الأجسام ثم استعير للمبالغة في القتل والجراحة لأنها لمنعها من الحركة صيرته كالثخين الذي لا يسيل، وقيل: إن الاستعارة مبنية على تشبيه المبالغة المذكورة بالثخانة في أن في كل منهما شدة في الجملة، وذكر { فِي ٱلأَرْضِ } للتعميم، وقرىء { يثخن } بالتشديد للمبالغة في المبالغة.

{ تُرِيدُونَ عَرَضَ ٱلدُّنْيَا } استئناف مسوق للعتاب، والعرض ما لا ثبات له ولو جسماً. وفي الحديث " الدنيا عرض حاضر " أي لا ثبات لها، ومنه استعاروا العرض المقابل للجوهر، أي تريدون حطام الدنيا بأخذكم الفدية، وقرىء { يريدون } بالياء، والظاهر أن ضمير الجمع لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم { وَٱللَّهُ يُرِيدُ ٱلأَخِرَةَ } أي يريد لكم ثواب الآخرة أو سبب نيل الآخرة من الطاعة بإعزاز دينه وقمع أعدائه، فالكلام على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، وذكر نيل في الاحتمال الثاني قيل: للتوضيح لا لتقدير مضافين، والإرادة هنا بمعنى الرضا، وعبر بذلك للمشاكلة فلا حجة في الآية على عدم وقوع مراد الله تعالى كما يزعمه المعتزلة، وزيادة لكم لأنه المراد، وقرأ سليمان بن جماز المدني { ٱلأَخِرَةَ } بالجر وخرجت على حذف المضاف وإبقاء المضاف إليه على جره، وقدره أبو البقاء عرض الآخرة وهو من باب المشاكلة وإلا فلا يحسن لأن أمور الآخرة مستمرة، ولو قيل: إن المضاف المحذوف على القراءة الأولى ذلك لذلك أيضاً لم يبعد، وقدر بعضهم هنا كما قدرنا هناك من الثواب أو السبب، ونظير ما ذكر قوله:

السابقالتالي
2 3