الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ ذٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }

{ ذٰلِكَ } إشارة إلى ما يفيده النظم الكريم من كون ما حل بهم من العذاب منوطاً بأعمالهم السيئة غير واقع بلا سابقة ما يقتضيه، وهو مبتدأ خبره قوله سبحانه: { بِأَنَّ ٱللَّهَ } إلى آخره، والباء للسببية، والجملة مسوقة لتعليل ما أشير إليه أي ذلك كائن بسبب أن الله سبحانه { لَمْ يَكُ مُغَيّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا } أي لم ينبغ له سبحانه ولم يصح في حكمته أن يكون بحيث يغير نعمة أي نعمة كانت جلت أو هانت أنعم بها { عَلَىٰ قَوْمٍ } من الأقوام { حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ } أي ذواتهم من الأعمال والأحوال التي كانوا عليها وقت ملابستهم للنعمة ويتصفوا بما ينافيها سواء كانت أحوالهم السابقة مرضية صالحة أو أهون من الحالة الحادثة كدأب كفرة قريش المذكورين حيث كانوا قبل البعثة كفرة عبدة أصنام / مستمرين على حال مصححة لافاضة نعم الامهال وسائر النعم الدنيوية عليهم كصلة الرحم والكف عن تعرض الآيات والرسل عليهم السلام فلما بعث النبـي صلى الله عليه وسلم غيروها على أسوء حال منها وأسخط حيث كذبوه عليه الصلاة والسلام وعادوه ومن تبعه من المؤمنين وتحزبوا عليهم وقطعوا أرحامهم فغير الله تعالى ما أنعم به عليهم من نعمة الامهال ووجه إليهم نبال العقاب والنكال، وقيل: إنهم لما كانوا متمكنين من الايمان ثم لم يؤمنوا كان ذلك كأنه حاصل لهم فغيروه كما قيل في قوله تعالى:أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشْتَرَوُاْ ٱلضَّلَـٰلَةَ بِٱلْهُدَىٰ } [البقرة: 16] ولا يخلو عن حسن.

وجعل بعضهم الإشارة إلى ما حل بهم ثم أنه لما رأى أن انتفاء تغيير الله تعالى حتى يغيروا لا يقتضي تحقق تغييره إذا غيروا وأن العدم ليس سبباً للوجود هنا وأيضاً عدم التغيير صارف عما حل بهم لا موجب له بحسب الظاهر قال: إن السبب ليس منطوق الآية بل مفهومها، وهو جري عادته سبحانه على التغيير حين غيروا حالهم فالسبب ليس انتفاء التغيير بل التغيير، قيل: وإنما أوثر التعبير بذلك لأن الأصل عدم التغيير من الله تعالى لسبق إنعامه ورحمته ولأن الأصل فيهم الفطرة وأما جعله عادة جارية فبيان لما استقر عليه الحال من ذلك لا أن كونه عادة له دخل في السببية، ولا يخفى أن ما ذكرناه أسلم من القيل والقال على أن ما فعله البعض لا يخلو بعد عن مقال فتدبر، وأصل { يَكُ } يكن فحذفت النون تخفيفاً لشبهها بأحرف العلة في أنها من الزوائد وهي تحذف من أحرف المجزوم فلذا حذفت هذه وهو مختص بهذا الفعل لكثرة استعماله.

{ وَأَنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } عطف على { أَنَّ ٱللَّهَ } الخ داخل معه في حيز التعليل، أي وسبب أنه تعالى سميع عليم يسمع ويعلم جميع ما يأتون ويذرون من الأقوال والأفعال السابقة واللاحقة فيرتب على كل منها ما يليق من إبقاء النعمة وتغييرها. وقرىء { وَإِنَّ ٱللَّهَ } بكسر الهمزة فالجملة حينئذ استئناف مقرر لمضمون ما قبله.