الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذْ يُرِيكَهُمُ ٱللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيراً لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي ٱلأَمْرِ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ }

{ إِذْ يُرِيكَهُمُ ٱللَّهُ فِى مَنَامِكَ قَلِيلاً } مقدر باذكر أو بدل منيَوْمَ ٱلْفُرْقَانِ } [الأنفال: 41] وجوز أن يتعلق بـعَلِيم } [الأنفال: 42] وليس بشيء، ونصب قليلاً على أنه مفعول ثالث عند الأجهوري أو حال على ما يفهمه كلام غيره. والجمهور على أنه صلى الله عليه وسلم أري ما أري في النوم وهو الظاهر المتبادر، وحكمة إراءتهم إياه صلى الله عليه وسلم وسلم قليلين أن يخبر أصحابه رضي الله تعالى عنهم فيكون ذلك تثبيتاً لهم، وعن الحسن أنه فسر المنام بالعين لأنها مكان النوم كما يقال للقطيفة المنامة لأنها ينام فيها فلم تكن عنده هناك رؤيا أصلاً بل كانت رؤية، وإليه ذهب البلخي ولا يخفى ما فيه لأن المنام شائع بمعنى النوم مصدر ميمي على ما قال بعض المحققين أوفى موضع الشخص النائم على ما في «الكشف» ففي الحمل على خلاف ذلك تعقيد ولا نكتة فيه، وما قيل: إن فائدة العدول الدلالة على الأمن الوافر فليس بشيءٍ لأنه لا يفيد ذلك فالنوم في تلك الحال دليل الأمن لا أن يريهم في عينه التي هي محل النوم، على أن الروايات الجمة برؤيته صلى الله عليه وسلم إياهم مناماً وقص ذلك على أصحابه مشهورة لا يعارضها كون العين مكان النوم نظراً إلى الظاهر، ولعل الرواية عن الحسن غير صحيحة فإنه الفصيح العالم بكلام العرب، وتخريج كلامه على أن في الكلام مضافاً محذوفاً أقيم المضاف إليه مقامه أي في موضع منامك مما لا يرتضيه اليقظان أيضاً، والتعبير بالمضارع لاستحضار الصورة الغريبة، والمراد إذا أراكهم الله قليلاً.

{ وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيراً لَّفَشِلْتُمْ } أي لجبنتم وهبتم الإقدام، وجمع ضمير الخطاب في الجزاء مع إفراده في الشرط إشارة كما قيل: إلى أن الجبن يعرض لهم لا له صلى الله عليه وسلم إن كان الخطاب للأصحاب فقط وإن كان للكل يكون من إسناد ما للأكثر للكل { وَلَتَنَـٰزَعْتُمْ فِى ٱلأَمْرِ } أي أمر القتال وتفرقت آراؤكم في الثبات والفرار { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ سَلَّمَ } أي أنعم بالسلامة من الفشل والتنازع. / { إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } أي الخواطر التي جعلت كأنها مالكة للصدور، والمراد أنه يعلم ما سيكون فيها من الجراءة والجبن والصبر والجزع ولذلك دبر ما دبر.