{ وَإِن تَوَلَّوْا } ولم ينتهوا عن كفرهم / { فَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ مَوْلاَكُمْ } أي ناصركم فثقوا به ولا تبالوا بمعاداتهم { نِعْمَ ٱلْمَوْلَىٰ } لا يضيع من تولاه { وَنِعْمَ ٱلنَّصِيرُ } لا يغلب من نصره. هذا ومن باب الإشارة في الآيات: { فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ قَتَلَهُمْ } تأديب منه سبحانه لأهل بدر وهداية لهم إلى فناء الأفعال حيث سلب الفعل عنهم بالكلية، ويشبه هذا من وجه قوله سبحانه:{ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ رَمَىٰ } [الأنفال: 17] والفرق أنه لما كان النبـي صلى الله عليه وسلم في مقام البقاء بالحق سبحانه نسب إليه الفعل بقوله تعالى: { إِذْ رَمَيْتَ } مع سلبه عنه بِمَا { رَمَيْتَ } وإثباته لله تعالى في حيز الاستدراك ليفيد معنى التفصيل في عين الجمع فيكون الرامي محمداً عليه الصلاة والسلام لا بنفسه ولعلو مقامه صلى الله عليه وسلم وعدم كونهم في ذلك المقام الأرفع نسب سبحانه إليه صلى الله عليه وسلم ما نسب ولم ينسب إليهم رضي الله تعالى عنهم من الفعل شيئاً، وهذا أحد أسرار تغيير الأسلوب في الجملتين حيث لم ينسب في الأولى ونسب في الثانية، بقي سر التعبير بالمضارع المنفي بلم في إحداهما والماضي المنفي بِمَا في الأخرى فارجع إلى فكرك. فلعل الله تعالى يفتحه عليك: { وَلِيُبْلِىَ ٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَنًا } أي ليعطيهم عطاء جميلاً وهو توحيد الأفعال، والمراد لهذا فعل ذلك { إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ } بخطرات نفوسكم بنسبة القتل إليكم{ عَلِيمٌ } [الأنفال: 17] بأنه القتل حقيقة وكونكم مظهراً لفعله{ وَأَنَّ ٱللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ ٱلْكَـٰفِرِينَ } [الأنفال: 18] لاحتجابهم بأنفسهم { إِن تَسْتَفْتِحُواْ } الآية، قيل فيها: أي تفتحوا أبواب قلوبكم بمفاتيح الصدق والإخلاص وترك السوي في طلب التجلي { فَقَدْ جَاءَكُمُ ٱلْفَتْحُ } بالتجلي فإنه سبحانه لم يزل متجلياً ولا يزال لكن لا يدرك ذلك إلا من فتح قلبه { وَإِن تَنتَهُواْ } عن طلب السوى { فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ } لما فيه من الفوز بالمولى { وَإِن تَعُودُواْ } إلى طلب الدنيا وزخارفها { نَعُدْ } إلى خذلانكم ونكلكم إلى أنفسكم { وَلَن تُغْنِىَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ } الدنيوية { شَيْئاً } مما لخاصته سبحانه{ وَلَوْ كَثُرَتْ } [الأنفال: 19] لأنها كسراب بقيعة{ يا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْاْ عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ } [الأنفال: 20] لأن ثمرة السماع الفهم والتصديق وثمرتهما الإرادة وثمرتها الطاعة فلا تصح دعوى السماع مع الإعراض{ وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ قَالُواْ سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ } [الأنفال: 21] لكونهم محجوبين عن الفهم { إِنَّ شَرَّ ٱلدَّوَابِّ عِندَ ٱللَّهِ ٱلصُّمُّ } عن السماع { ٱلْبُكْمُ } عن القبول{ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ } [الأنفال: 22] لماذا خلقوا { وَلَوْ عَلِمَ ٱللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا } استعداداً صالحاً { لأسْمَعَهُمْ } سماع تفهم { وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ } مع عدم علم الخير فيهم{ لَتَوَلَّواْ } [الأنفال: 23] ولم ينتفعوا به وارتدوا سريعاً إذ شأن العارض الزوال وهم معرضون بالذات { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ } بالتصفية { إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ } وهو العلم بالله تعالى، وقد يقال: استجيبوا لله تعالى بالباطن والأعمال القلبية وللرسول بالظاهر والأعمال النفسية، أو استجيبوا لله تعالى بالفناء في الجمع وللرسول عليه الصلاة والسلام بمراعاة حقوق التفصيل إذا دعاكم لما يحييكم من البقاء { وَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَقَلْبِهِ } فيزول الاستعداد فانتهزوا الفرصة