الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ ٱللَّهُ وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلْمَاكِرِينَ }

{ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } فهو متعلق بمحذوف وقع مفعولاً لفعل محذوف معطوف على ما تقدم أو منصوب بالفعل المضمر المعطوف على ذلك، أي واذكر نعمته تعالى عليك إذ أو اذكر وقت مكرهم بك { لِيُثْبِتُوكَ } بالوثاق ويعضده قراءة ابن عباس { ليقيدوك } وإليه ذهب الحسن ومجاهد وقتادة أو بالإثخان بالجرح من قولهم: ضربه حتى أثبته لا حراك به ولا براح، وهو المروي عن أبان وأبـي حاتم والجبائي، وأنشد:
فقلت ويحكم ما في صحيفتكم   قالوا الخليفة أمسى مثبتاً وجعاً
أو بالحبس في بيت كما روي عن عطاء والسدي، وكل الأقوال ترجع إلى أصل واحد وهو جعله صلى الله عليه وسلم ثابتاً في مكانه أعم من أن يكون ذلك بالربط أو الحبس أو الإثخان بالجراح حتى لا يقدر على الحركة، ولا يرد أنَّ الإثخان إن كان بدون قتل فلا ذكر له فما اشتهر من القصة وإن كان بالقتل يتكرر مع قوله تعالى: { أَوْ يَقْتُلُوكَ } لأنا نختار الأول، ولا يلزم أن يذكر في القصة لأنه قد يكون رأي من لا يعتد برأيه فلم يذكروا المراد على ما تقتضيه { أَوْ يَقْتُلُوكَ } بسيوفهم { أَوْ يُخْرِجُوكَ } أي من مكة، وذلك على ما ذكر ابن إسحاق ((أن قريشاً لما رأت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كانت له شيعة وأصحاب من غيرهم من غير بلدهم ورأوا خروج أصحابه من المهاجرين إليهم عرفوا أنهم قد نزلوا داراً وأصابوا منهم منعة فحذروا [خروج] رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم وعرفوا أنه قد أجمع لحربهم فاجتمعوا [له] في دار الندوة وهي دار قصي بن كلاب التي كانت قريش لا تقضي أمراً إلا فيها يتشاورون فيها ما يصنعون في أمره عليه الصلاة والسلام [حين خافوه] فلما اجتمعوا كما قال ابن عباس لذلك واتعدوا أن يدخلوا الدار ليتشاوروا فيها غدوا في اليوم الذي اتعدوا فيه وكان ذلك اليوم يسمى يوم الزحمة فاعترضهم إبليس عليه اللعنة في هيئة شيخ جليل عليه بدلة فوقف على باب الدار فلما رأوه واقفاً على بابها قالوا: من الشيخ؟ قال: شيخ من أهل نجد سمع بالذي اتعدتم له فحضر معكم ليسمع ما تقولون وعسى أن لا يعدمكم منه رأياً ونصحاً قالوا: أجل فادخل فدخل معهم وقد اجتمع أشراف قريش فقال بعضهم لبعض: إن هذا الرجل قد كان من أمره ما رأيتم وإنا والله ما نأمنه قال: فتشاوروا ثم قال قائل منهم: احبسوه في الحديد واغلقوا عليه باباً ثم تربصوا به ما أصاب أشباهه من الشعراء الذين كانوا قبله زهيراً والنابغة ومن مضى منهم من هذا الموت حتى يصيبه ما أصابهم.

السابقالتالي
2 3