الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ }

{ وَٱتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً } أي لا تختص إصابتها لمن يباشر الظلم منكم بل تعمه وغيره والمراد بالفتنة الذنب وفسر بنحو إقرار المنكر والمداهنة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وافتراق الكلمة وظهور البدع والتكاسل في الجهاد حسبما يقتضيه المعنى، والمصيب على هذا هو الأثر كالشآمة والوبال، وحينئذ إما أن يقدر أو يتجوز في إصابته، وجوز أن يراد به العذاب فلا حاجة إلى التقدير أو التجوز فيما ذكر لأن إصابته بنفسه، وكذا لا حاجة إلى ارتكاب تقدير في جانب الأمر ولا التزام استخدام و { لا } نافية، والجملة المنفية قيل جواب الأمر على معنى إن أصابتكم لا تصيب الظالمين منكم، واعترض بأن جواب الأمر إنما يقدر فعله من جنس الأمر المظهر لا من جنس الجواب ولو قدر ذلك وفاء بالقاعدة فسد المعنى، إذ يكون إن تتقوا الفتنة تعمكم إصابتها ولا تختص بالظالمين منكم وهو كما ترى، وأجيب بأن أصل الكلام واتقوا فتنة لا تصيبنكم فإن أصابتكم لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة بل عمتكم فأقيم جواب الشرط الثاني مقام جواب الشرط المقدر في جواب الأمر لتسببه منه، وسمي جواب الأمر لأن المعاملة معه لفظاً.

/ وفيه أن من البين أن عموم الإصابة ليس مسبباً عن عدم الإصابة ولا عن الأمر وظاهر التعبير يقتضيه، وقال بعض المحققين: إن ذلك على رأي الكوفيين من تقدير ما يناسب الكلام وعدم التزام كون المقدر من جنس الملفوظ نفياً أو إثباتاً فيقدرون في نحو لا تدن من الأسد يأكلك الإثبات أي إن تدن يأكلك وفي نحو { ٱتَّقُواْ فِتْنَةً } النفي أي إن لم تتقوا تصبكم واعترض عليه بأن ذلك القائل لم يقدر لا هذا ولا ذاك وإنما قدر ما يستقيم به المعنى من غير نظر إلى مضمون الأمر أو نقيضه، وأجيب بأن مراده أن التقدير إن لم تتقوا تصبكم وإن أصابتكم لا تختص بالظالمين فأقيم جواب الشرط الثاني مقام جواب الشرط المقدر الذي هو نقيض الأمر لتسببه عنه، وما أورد على هذا من أنه لا حاجة إلى اعتبار الواسطة حينئذ إذ يكفي أن يقال: إن لم تتقوا لا تصب الظالمين خاصة فمع كونه مناقشة لفظية مدفوع بأدنى تأمل لأن عدم اختصاص إصابة الفتنة بالظالمين كما يكون بعموم الإصابة لهم ولغيرهم كذلك يكون بعدم أصابتها لهم رأساً فلا بد من اعتبار الواسطة قطعاً.

وقال بعض المتأخرين: مراد من قدر إن أصابتكم إن لم تتقوا على مذهب من يرى تقدير النفي، لكنه عبر عنه بأصابت لتلازمها فلا يرد حديث الواسطة، نعم قيل: إن جواب الشرط متردد فلا يليق تأكيده بالنون إذ التأكيد يقتضي دفع التردد، وأجيب بأنه هنا طلبـي معنى فيؤكد كما يؤكد الطلبـي وهو لا ينافيه التردد في وقوعه لأنه لا تردد في طلبه على أنه قيل: إنه وإن كان متردداً في نفسه لكونه معلقاً بما هو متردد وهو الشرط لكنه ليس بمتردد بحسب الشرط، وعلى تقدير وقوعه فيليق به التأكيد بذلك الاعتبار، وأنت تعلم أن ابن جني رجح أن المنفي ـ بلا ـ يؤكد في السعة لشبهه بالنهي كما في قوله سبحانه:

السابقالتالي
2 3