الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْ عَلِمَ ٱللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُمْ مُّعْرِضُونَ }

{ وَلَوْ عَلِمَ ٱللَّهُ فِيهِمْ } أي في هؤلاء الصم البكم { خَيْرًا } أي شيئاً من جنس الخير الذي من جملته صرف قواهم إلى تحري الحق واتباع الهدى { لأَسْمَعَهُمْ } سماع تدبر وتفهم ولوقفوا على الحق وآمنوا بالرسول عليه الصلاة والسلام وأطاعوه { وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ } سماع تفهم وتدبر وقد علم أن لا خير فيهم { لَتَوَلَّواْ } ولم ينتفعوا به وارتدوا بعد التصدق والقبول { وَهُم مُّعْرِضُونَ } لعنادهم، والجملة حال مؤكدة مع اقترانها بالواو، ومما ذكر يعلم الجواب عما قيل: إن الآية قياس اقتراني من شرطيتين ونتيجته غير صحيحة لما أنه أشير فيه أولاً إلى منع القصد إلى القياس لفقد الكلية الكبرى، وثانياً إلى منع فساد النتيجة إذ اللازم لو علم الله تعالى فيهم خيراً في وقت لتولوا بعده قاله بعض المحققين، وفي «المغني» والجواب من ثلاثة أوجه اثنان يرجعان إلى منع كون المذكور قياساً وذلك لاختلاف الوسط. أحدهما أن التقدير لأسمعهم سماعاً نافعاً ولو أسمعهم سماعاً غير نافع لتولوا. والثاني أن يقدر ولو أسمعهم على تقدير علم عدم الخير فيهم كما أشير إليه. والثالث إلى منع استحالة النتيجة بتقدير كونه قياساً متحد الوسط، إذ التقدير ولو علم الله تعالى فيهم خيراً في وقت ما لتولوا بعد ذلك، ولا يخفى ضعف الجواب الأول لأنه لا قرينة على تقييد لو أسمعهم بالسماع الغير النافع ولأنه يحقق فيهم الإسماع الغير النافع إلا أن يقيد بالإسماع بعد نزول هذه الآية، وكذا ضعف الثالث لأن علمه تعالى بالخير ولو في وقت لا يستلزم التولي بل عدمه. وأما الجواب الثاني فهو قوي لأن الشرطية الأولى قرينة على تقييد الإسماع في الشرطية الثانية بتقدير علم عدم الخير فيهم، وذكر بعضهم في الجواب أن الشرطيتين مهملتان وكبرى الشكل الأول يجب أن تكون كلية ولو سلم فإنما ينتجان أي اللزومية لو كانتا لزوميتين وهو ممنوع ولو سلم فاستحالة النتيجة ممنوعة، أي لا نسلم استحالة الحكم باللزوم بين المقدم والتالي وإن كان الطرفان محالين لأن علم الله تعالى فيهم خيراً محال والمحال جاز أن يستلزم المحال وإن لم يوجد بينهما علاقة عقلية على ما هو التحقيق من عدم اشتراط العلاقة في استلزام المحال للمحال.

واعترض على أصل السؤال بأن لفظ { لَوْ } لم يستعمل في فصيح الكلام في القياس الاقتراني وإنما يستعمل في القياس الاستثنائي المستثنى فيه نقيض التالي لأنها لامتناع الشي لامتناع غيره، ولهذا لا يصرح باستثناء نقيض التالي، وعلى الجواب بأن فيه تسليم كون ما ذكر قياساً ومنع كونه منتجاً لانتفاء شرائط الإنتاج وكيف يصح اعتقاد وقوع قياس في كلام الحكيم تعالى أهملت فيه شرائط الإنتاج وإن لم يكن مراده تعالى قياسيته وذكر أن الحق أن قوله سبحانه: { لَوْ عَلِمَ ٱللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا } وارد على قاعدة اللغة يعني أن سبب عدم الإسماع عدم العلم بالخير فيهم ثم ابتدأ قوله تعالى: { وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ } كلاماً آخر على طريقة ـ «لو لم يخف الله / تعالى لم يعصه» ـ وحاصل ذلك أنه كلام منقطع عما قبله والمقصود منه تقرير قولهم في جميع الأزمنة حيث ادعى لزومه لما هو مناف له ليفيد ثبوته على تقدير الشرط وعدمه، فمعنى الآية حينئذ أنه انتفى الإسماع لانتفاء علم الخير وأنهم ثابتون على التولي ففي الشرطية الأولى اللزوم في نفس الأمر وفي الثانية إدعائي فلا يكون على هيئة القياس.

السابقالتالي
2