الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَٰناً وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ }

{ إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ } الخ إذ المراد به قطعاً الكاملون في الإيمان وإلا لم يصح الحصر، وهو حينئذ جار على ما هو الأصل المشهور في النكرة إذا أعيدت معرفة، وعلى الوجه الأول لا يكون هذا عين النكرة السابقة، ويلتزم القول بأن القاعدة أغلبية كما قد صرحوا به في غير ما موضع، أي إنما المؤمنون الكاملون في الايمان المخلصون فيه { ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ } أي فزعت استعظاماً لشأنه الجليل وتهيباً منه جل وعلا والاطمئنان المذكور في قوله سبحانه وتعالى:أَلاَ بِذِكْرِ ٱللَّهِ تَطْمَئِنُّ ٱلْقُلُوبُ } [الرعد: 28] لا ينافي الوجل والخوف لأنه عبارة عن ثلج الفؤاد وشرح الصدر بنور المعرفة والتوحيد وهو يجامع الخوف، وإلى هذا ذهب ابن الخازن، ووفق بعضهم بين الآيتين بأن الذكر في إحداهما ذكر رحمة وفي الأخرى ذكر عقوبة فلا منافاة بينهما. وأخرج البيهقي وجماعة عن السدي أنه قال في الآية: هو الرجل يريد أن يظلم أو يهم بمعصية فيقال له: اتق الله تعالى فيجل قلبه، وحمل الوجل فيها على الخوف منه تعالى كلما ذكر أبلغ في المدح من حمله على الخوف وقت الهم بمعصية أو إرادة ظلم. وهذا الوجل في قلب المؤمن كضرمة السعفة كما جاء عن عائشة رضي الله تعالى عنها. وأخرج ابن جرير وغيره عن أم الدرداء أن الدعاء عند ذلك مستجاب، وعلامته حصول القشعريرة.

وقرىء { وجلت } بفتح الجيم ومضارعه يجل، وأما وجل بالكسر فمضارعه يوجل وجاء ييجل وياجل وهي لغات أربع حكاها سيبويه، وقرأ عبد الله { فرقت } أي خافت.

{ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ ءَايَـٰتُهُ } أي القرآن كما روي عن ابن عباس { زَادَتْهُمْ إِيمَـٰناً } أي تصديقاً كما هو المتبادر فإن تظاهر الأدلة وتعاضد الحجج مما لا ريب في كونه موجباً لذلك، وهذا أحد أدلة من ذهب إلى أن الإيمان يقبل الزيادة والنقص، وهو مذهب الجم الغفير من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين وبه أقوال لكثرة الظواهر الدالة على ذلك من الكتاب والسنة من غير معارض لها عقلاً، بل قد احتج عليه بعضهم بالعقل أيضاً؛ وذلك أنه لو لم تتفاوت حقيقة الإيمان لكان إيمان آحاد الأمة بل المنهمكين في الفسق والمعاصي مساوياً لإيمان الأنبياء والملائكة عليهم الصلاة والسلام، واللازم باطل فكذا الملزوم، وقال محي الدين النووي في معرض بيان ذلك: إن كل أحد يعلم أن ما في قلبه يتفاضل حتى يكون في بعض الأحيان أعظم يقيناً وإخلاصاً منه في بعضها، فكذلك التصديق والمعرفة بحسب ظواهر البراهين وكثرتها، وأجابوا عما اعترض به عليه من أنه متى قبل ذلك كان شكاً وهو خروج عن حقيقته بأن مراتب اليقين متفاوتة إلى علم اليقين وحق اليقين وعين اليقين مع أنه لا شك معها، وذهب الإمام أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه وكثير من المتكلمين إلى أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، واختاره أمام الحرمين محتجين بأنه اسم للتصديق البالغ حد الجزم والإذعان وذلك لا يتصور فيه زيادة ولا نقصان، فالمصدق إذا أتى بالطاعات أو ارتكب المعاصي فتصديقه بحاله لم يتغير أصلاً، وإنما يتفاوت إذا كان اسماً للطاعات المتفاوتة قلة وكثرة / على ما ذهب إليه القلانسي وجماعة من السلف، وبما رواه الفقيه أبو الليث السمرقندي في «تفسيره» عن محمد بن الفضل وأبـي القاسم الساباذي عن فارس بن مردويه عن محمد بن الفضل بن العابد عن يحيـى بن عيسى عن أبـي مطيع عن حماد بن سلمة عن أبـي المهزم عن أبـي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: جاء وفد ثقيف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله الايمان يزيد وينقص؟ فقال:

السابقالتالي
2 3 4