الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَآءَكُمُ ٱلْفَتْحُ وَإِن تَنتَهُواْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَعُودُواْ نَعُدْ وَلَن تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُؤْمِنِينَ }

{ إِن تَسْتَفْتِحُواْ } خطاب للمشركين على سبيل التهكم فقد روي أنهم حين أرادوا الخروج تعلقوا بأستار الكعبة وقالوا: اللهم انصر أعلى الجندين وأهدي الفئتين وأكرم الحزبين. وفي رواية أن أبا جهل قال حين التقى الجمعان: اللهم ربنا ديننا القديم ودين محمد الحديث فأي الدينين كان أحب إليك وأرضى عنك فانصر أهله اليوم. والأول مروي عن الكلبي والسدي، والمعنى إن تستنصروا لأعلى الجندين وأهداهما { فَقَدْ جَاءَكُمُ ٱلْفَتْحُ } حيث نصر أعلاهما وأهداهما وقد زعمتم أنكم الأعلى والأهدى فالتهكم في المجيء أو فقد جاءكم الهلاك والذلة فالتهكم في نفس الفتح حيث وضع موضع ما يقابله { وَإِن تَنتَهُواْ } عن حراب الرسول عليه الصلاة والسلام ومعاداته { فَهُوَ } أي الانتهاء { خَيْرٌ لَّكُمْ } من الحراب الذي ذقتم بسببه ما ذقتم من القتل والأسر، ومبنى اعتبار أصل الخيرية في المفضل عليه هو التهكم { وَإِن تَعُودُواْ } أي إلى حرابه عليه الصلاة والسلام { نَعُدْ } لما شاهدتموه من الفتح { وَلَن تُغْنِىَ } أي لن تدفع / { عَنكُمْ فِئَتُكُمْ } جماعتكم التي تجمعونها وتستغيثون بها { شَيْئاً } من الإغناء أو المضار { وَلَوْ كَثُرَتْ } تلك الفئة وقرىء { ولن يغني } بالياء التحتانية لأن تأنيث الفئة غير حقيقي وللفصل ونصب { شيئاً } على أنه مفعول مطلق أو مفعول به، وجملة { وَلَوْ كَثُرَتْ } في الموضع الحال { وَأَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } أي ولأن الله تعالى معين المؤمنين كان ذلك أو والأمر أن الله سبحانه معهم، وقرأ الأكثر { وإن } بالكسر على الاستئناف، قيل: وهي أوجه من قراءة الفتح لأن الجملة حينئذ تذييل، كأنه قيل: القصد إعلاء أمر المؤمنين وتوهين كيد الكافرين وكيت وكيت، وإن سنة الله تعالى جارية في نصر المؤمنين وخذلان الكافرين، وهذا وإن أمكن إجراؤه على قراءة الفتح لكن قراءة الكسر نص فيه، ويؤيدها قراءة ابن مسعود { والله مع المؤمنين } ، وروي عن عطاء وأبـي بن كعب، وإليه ذهب أبو علي الجبائي أن الخطاب للمؤمنين، والمعنى إن تستنصروا فقد جاءكم النصر وإن تنتهوا عن التكاسل والرغبة عما يرغب فيه الرسول صلى الله عليه وسلم فهو خير لكم من كل شيء لما أنه مدار لسعادة الدارين وإن تعودوا إليه نعد عليكم بالإنكار وتهييج العدو ولن تغني عنكم حينئذ كثرتكم إذ لم يكن الله تعالى معكم بالنصر والأمر ان الله سبحانه مع الكاملين في الإيمان، ويفهم كلام بعضهم أن الخطاب في { تَسْتَفْتِحُواْ } و { جَاءَكُمْ } للمؤمنين، وفيما بعده للمشركين ولا يخفى أنه خلاف الظاهر جداً، وأيد كون الخطاب في الجميع للمؤمنين بقوله تعالى: { يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ أَطِيعُواْ... }.