الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً }

{ وَجَعَلْنَا } أي أنشأنا وأبدعنا { سِرَاجاً وَهَّاجاً } مشرقاً متلألئاً من وهجت النار إذا أضاءت أو بالغاً في الحرارة من الوهج، والمراد به الشمس والتعبير عنها بالسراج من روادف التعبير عن خلق السمٰوات بالبناء. ونصب { سِرَاجاً } على المفعولية و { وَهَّاجاً } على الوصفية له. وجوز بعضهم أن يكونا مفعولين للجعل على أنه هنا مما يتعدى إليهما. وتعقب بأنه مخالف للظاهر للتنكير فيهما وإن قيل السراج الشمس وهي لانحصارها في فرد كالمعرفة.

واختلف في موضع الجعل والمشهور أنه في السماء الرابعة ولم نر فيه أثراً سوى ما في «البحر» من عبد الله بن عمرو بن العاص قال الشمس في السماء الرابعة إلينا ظهرها ولهبها يضطرم علواً، والمذكور في كتب القوم أنهم جعلوا سبعة أفلاك للسيارات السبع على ترتيب خسف بعضها بعضاً أقصاها لزحل والذي تحته للمشتري ثم للمريخ والأدنى للقمر والذي فوقه لعطارد ثم للزهرة إذ وجدوا القمر يكسف الست من السيارات وكثيراً من الثوابت المحاذية لطريقته في ممر البروج وعلى هذا الترتيب وجدوا الأدنى يكسف الأعلى والثوابت تنكسف بالكل ويعلم الكاسف من المنكسف باختلاف اللون فأيهما ظهر لونه عند الكسف فهو كاسف وأيهما خفي لونه فهو منكسف وبقي الشك في أمر الشمس إذ لم يعرف انكساف شيء من الكواكب بها لاضمحلال نورها في ضيائها عند القرب منها ولا انكسافها بشيء من الكواكب غير القمر، فذهب بعض القدماء إلى أن فلكي الزهرة وعطارد فوق فلكها مستدلين عليه بأنهما لا يكسفانها كما يكسفها القمر وهو باطل إذ من شرط كسف السافل العالي أن يكونا معاً والبصر على خط واحد مستقيم وإلا لم يكسفه كما في أكثر اجتماعات القمر وإذا كان كذلك فمن المحتمل أن يكون مدارهما بين الشمس والإبصار ولأن جرميهما عندهم صغيران غير مظلمين كجرم القمر حتى يكسفاها ولأنه إذا كسف القمر من جرم الشمس ما مساحته مساوية لجرم أحد هذين الكوكبين أو أكثر لا يظهر المنكسف للابصار على ما نص عليه بطليموس في «الاقتصاص» وذهب بعض من تقادم عهدهم إلى أنهما تحت فلك الشمس وإن لم تكسف بهما استحساناً لما في ذلك من حسن الترتيب وجودة / النظام على ما بين في موضعه ومال إليه بطليموس. قال في «المجسطي» ونحن نرى ترتيب من تقادم عهده أقرب إلى الإقناع لأنه أشبه بالأمر الطبيعي لتوسط الشمس بين ما يبعد عنها كل البعد وبين ما لا يبعد عنها إلا يسيراً ثم قوى عزمه لما رأى بعد الشمس المعلوم من الأرض مناسباً لهذا الموضع لأنه لما وجد بين أبعد بعد القمر وأقرب قرب الشمس بعداً يمكن أن يوجد فيه فلكا الزهرة وعطارد وأبعادهما المختلفة قال في «الاقتصاص» مثل هذا الفضاء لا يحسن أن يترك عطلاً ولا يحسن أن يكون فيه المريخ فضلاً عن غيره فليكونا فيه وتأكد هذا عند بعض المتأخرين بأنه شوهدت الزهرة على قرص الشمس في وقتين بينهما نيف وعشرون سنة وكانت أول الحالين في ذروة التدوير وفي الثاني في أسفله ويبطل به ما ظن من كون عطارد والزهرة مع الشمس في كرة ومركز تدويرهما لاستحالة أن ترى الزهرة في الذروة على هذا الوجه وهذه أمور ضعيفة بعضها خطابـي إقناعي وبعضها مبين ما فيه في محله.

السابقالتالي
2