الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ ٱلْعَاجِلَةَ } * { وَتَذَرُونَ ٱلآخِرَةَ }

{ كَلاَّ } إرشاد لرسوله صلى الله عليه وسلم وأخذ به عن عادة العجلة وترغيب له عليه الصلاة والسلام في الأناة، وبالغ سبحانه في ذلك لمزيد حبه إياه باتباعه قوله تعالى:

{ بَلْ تُحِبُّونَ ٱلْعَاجِلَةَ * وَتَذَرُونَ ٱلأَخِرَةَ } تعميم الخطاب للكل كأنه قيل بل أنتم يا بني آدم لما خلقتم من عجل وجبلتم عليه تعجلون في كل شيء ولذا تحبون العاجلة وتذرون الآخرة، ويتضمن استعجالك لأن عادة بني آدم الاستعجال ومحبة العاجلة وفيه أيضاً أن الإنسان وإن كان مجبولاً على ذلك إلا أن مثله عليه الصلاة والسلام ممن هو في أعلى منصب النبوة لا ينبغي أن يستفزه مقتضى الطباع البشرية وأنه إذا نهي صلى الله عليه وسلم عن العجلة في طلب العلم والهدى فهؤلاء ودينهم حب العاجلة وطلب الردى كأنهم نزلوا منزلة من لا ينجع فيهم النهي فإنما يعاتب الأديم ذو البشرة ومنه يعلم أن هذا متصل بقوله سبحانه:بَلْ يُرِيدُ ٱلإِنسَـٰنُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ } [القيامة: 5] فإنه ملوح إلى معنى { بَلْ تُحِبُّونَ } الخ وقوله عز وجللاَ تُحَرِّكْ } [القيامة: 16] الخ متوسط بين حبي العاجلة حبها الذي تضمنه { بَلْ يُرِيدُ } تلويحاً وحبها الذي آذن به { بَلْ تُحِبُّونَ } تصريحاً لحسن التخلص منه إلى المفاجأة والتصريح ففي ذلك تدرج ومبالغة في التقريع والتدرج وإن كان يحصل لو / لم يؤت بقوله سبحانه { لاَ تُحَرِّكْ } الخ في البين أيضاً إلا أنه يلزم حينئذٍ فوات المبالغة في التقريع وأنه إذا لم تجز العجلة في القرآن وهو شفاء ورحمة فكيف فيما هو فجور وثبور ويزول ما أشير إليه من الفوائد فهو استطراد يؤدي مؤدى الاعتراض وأبلغ وأطلق بعضهم عليه الاعتراض.

وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ومجاهد والحسن وقتادة والجحدري { تحبون } و { يذرون } بياء الغيبة فيهما وأمر الربط عليها كما تقدم، وهي أبلغ من حيث إن فيها التفاتاً وإخراجاً له عليه الصلاة والسلام من صريح الخطاب بحب العاجلة مضمناً طرفاً من التوبيخ على سبيل الرمز لطفاً منه تعالى شأنه في شأنه صلى الله عليه وسلم وأما القراءة بالتاء ففيها تغليب المخاطب والالتفات وهو عكس الأول. هذا خلاصة ما رمز إليه جار الله على ما أفيد وقد اندفع به قول بعض الزنادقة وشرذمة من قدماء الرافضة أنه لا وجه لوقوع { لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ } الخ في أثناء أمور الآخرة ولا ربط في ذلك بوجه من الوجوه وجعلوا ذلك دليلاً لما زعموه من أن القرآن قد غير وبدل وزيد فيه ونقص منه، وللعلماء حماة المسلمين وشهب سماء الدين في دفع كلام كثير منه ما تقدم. وللإمام أوجه فيه منها الحسن ومنها ما ليس كذلك بالمرة.

السابقالتالي
2 3