الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ لِّيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُواْ رِسَالاَتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَىٰ كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً }

{ لِيَعْلَمَ } متعلق بيسلك وعلة له، والضمير لمن أي لأجل أن يعلم ذلك المرتضى الرسول ويصدق تصديقاً جازماً ثابتاً مطابقاً للواقع { أَن قَدْ أَبْلَغُواْ } أي الشأن قد أبلغ إليه الرصد وهو من قبيل بنوا تميم قتلوا زيداً فإن المبلغ في الحقيقة واحد معهم وهو جبريل عليه السلام كما هو المشهور من أنه المبلغ من بين الملائكة عليهم السلام إلى الأنبياء { رِسَـٰلَـٰتِ رَبّهِمْ } وهي الغيوب المظهر عليها كما هي من غير اختطاف ولا تخليط وعلى هذا فليكنمَنِ } [الجن: 27] مبتدأ وجملة { إِنَّهُ يَسْلُكُ } خبره وجىء بالفاء لكونه اسم موصول وقوله تعالى: { وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ } أي بما عند الرصد { وَأَحْصَىٰ كُلَّ شَىْء } أي مما كان ومما سيكون { عَدَدًا } أي فرداً فرداً حال من فاعل { يَسْلُكُ } بتقدير قد أو بدونه جىء به لمزيد الاعتناء بأمر علمه تعالى بجميع الأشياء وتفرده سبحانه بذلك على أتم وجه بحيث لا يشاركه سبحانه في ذلك الملائكة الذين هم وسائط العلم، فكأنه قيل لكن المرتضى الرسول يعلمه الله تعالى بواسطة الملائكة بعض الغيوب مما له تعلق ما برسالته والحال أنه تعالى قد أحاط علماً بجميع أحوال أولئك / الوسائط وعلم جل وعلا جميع الأشياء بوجه جزئي تفصيلي فأين الوسائط منه تعالى أو حال من فاعل { أَبْلَغُواْ } جىء به للإشارة إلى أن الرصد أنفسهم لم يزيدوا ولم ينقصوا فيما بلغوا كأنه قيل ليعلم الرسول أن قد أبلغ الرصد إليه رسالات ربه في حال أن الله تعالى قد علم جميع أحوالهم وعلم كل شيء فلو أنهم زادوا أو نقصوا عند الإبلاغ لعلمه سبحانه فما كان يختارهم للرصدية والحفظ.

هذا ما سنح لذهني القاصر في تفسير هذه الآيات الكريمة ولست على يقين من أمره بيد أن الاستدلال بقوله سبحانهفَلاَ يُظْهِرُ } [الجن: 26] الخ على نفي كرامة الأولياء بالإطلاع على بعض الغيوب لا يتم عليه لأن قوله تعالى: { فَلاَ يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَداً } في قوة قضية سالبة جزئية لدخول ما يفيد العموم في حيز السلب - وأكثر استعمالاته لسلب العموم وصرح به فيما هنا في «شرح المقاصد» - لا لعموم السلب وهو سلب جزئي فلا ينافي الإيجاب الجزئي، كأن يظهر بعض الغيب على ولي على نحو ما قال بعض أهل السنة في قوله تعالىلاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَارُ } [الأنعام: 103] ولا يرد أن الاستثناء يقتضي أن يكون المرتضى الرسول مظهراً على جميع غيبه تعالى بناءً على أن الاستثناء من النفي يقتضي إيجاب نقيضه للمستثنى ونقيض السالبة الجزئية الموجبة الكلية مع أنه سبحانه لا يظهر أحداً كائناً من كان على جميع ما يعلمه عز وجل من الغيب وذلك لانقطاع الاستثناء المصرح به ابن عباس، وكذا لا يرد أن الله تعالى نفي إظهار شيء من غيبه على أحد إلا على الرسول فيلزم أن لا يظهر سبحانه أحداً من الملائكة على شيء منه لأن الرسول هنا ظاهر في الرسول البشري لقوله تعالى:

السابقالتالي
2 3 4 5 6