الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ يَغْفِرْ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى إِنَّ أَجَلَ ٱللَّهِ إِذَا جَآءَ لاَ يُؤَخَّرُ لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ }

وقوله تعالى: { يَغْفِرْ لَكُمْ مّن ذُنُوبِكُمْ } مجزوم في جواب الأمر. واختلف في (من) فقيل ابتدائية وإن لم تصلح هنا لمقارنة { إِلى } وابتداء الفعل من جانبه تعالى على معنى أنه سبحانه يبتدءُهم بعد إيمانهم بمغفرة ذنوبهم إحساناً منه عز وجل وتفضلاً، وجوز أن يكون من جانبهم على معنى أول ما يحصل لهم بسبب إيمانهم مغفرة ذنوبهم وليس بذاك وقيل بيانية ورجوعها إلى معنى الابتدائية استبعده الرضي ويقدر قبلها مبهم يفسر بمدخولها أي يغفر لكم أفعالكم التي هي الذنوب. وقيل زائدة على رأي الأخفش المجوز لزيادتها مطلقاً وجزم بذلك هنا. وقيل تبعيضية أي يغفر لكم بعض ذنوبكم واختاره بعض.

واختلف في البعض المغفور فذهب قوم إلى أنه حقوق الله تعالى فقط السابقة على الإيمان، وآخرون إلى أنه ما اقترفوه قبل / الإيمان مطلقاً الظاهر ما ورد من أن الإيمان يجب ما قبله واستشكل ذلك العز بن عبد السلام في «الفوائد المنتثرة» وأجاب عنه فقال كيف يصح هذا على رأي سيبويه الذي لا يرى كالأخفش زيادتها في الموجب بل يقول إنها للتبعيض مع أن الإسلام يجب ما قبله بحيث لا يبقى منه شيء؟ والجواب أن إضافة الذنوب إليهم إنما تصدق حقيقة فيما وقع إذ ما لم يقع لا يكون ذنباً لهم، وإضافة ما لم يقع على طريق التجوز كما فيوَٱحْفَظُوۤاْ أَيْمَانَكُمْ } [المائدة: 89] إذ المراد بها الأيمان المستقبلة، وإذا كانت الإضافة تارة تكون حقيقة وتارة تكون مجازاً فسيبويه يجمع بين الحقيقة والمجاز فيها وهو جائز - يعني عند أصحابه الشافعية - ويكون المراد من بعض ذنوبكم البعض الذي وقع انتهى ولا يحتاج إلى حديث الجمع من خص الذنوب المغفورة بحقوق الله عز وجل وهٰهنا بحث وهو أن الحمل على التبعيض يأباهيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ } [الصف: 12] وإِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعاً } [الزمر: 53] وقد نص البعلي في «شرح الجمل» على أن ذلك هو الذي دعا الأخفش للجزم بالزيادة هنا، وجعله ابن الحاجب حجة له ورده بعض الأجلة بأن الموجبة الجزئية من لوازم الموجبة الكلية ولا تناقض بين اللازم والملزوم ومبناه الغفلة عن كون مدلول (من) التبعيضية هي البعضية المجردة عن الكلية المنافية لها لا الشاملة لما في ضمنها المجتمعة معها وإلا لما تحقق الفرق بينها وبين (من) البيانية من جهة الحكم ولما تيسر تمشية الخلاف بين الإمام أبـي حنيفة وصاحبيه فيما إذا قال طلقي نفسك من ثلاث ما شئت بناء على أن (من) للتبعيض عنده وللبيان عندهما. قال في «الهداية» وإن قال لها طلقي نفسك من ثلاث ما شئت فلها أن تطلق نفسها واحدة وثنتين ولا تطلق ثلاثاً عند أبـي حنيفة وقالا تطلق ثلاثاً إن شاءت لأن كلمة ما محكمة في التعميم وكلمة (من) قد تستعمل للتمييز فتحمل على تمييز الجنس ولأبـي حنيفة أن كلمة (من) حقيقة في التبعيض وما للتعميم فيعمل بهما انتهى.

السابقالتالي
2 3