الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْباً كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْباً كَانُواْ هُمُ ٱلْخَاسِرِينَ }

{ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْبًا } استئناف لبيان ابتلائهم بشؤم قولهم:لَنُخْرِجَنَّكَ يـٰشُعَيْبُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا } [الأعراف: 88] والموصول مبتدأ خبره قوله تعالى: { كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا } أي لم يقيموا في دارهم، وقال قتادة: المعنى كأن لم يعيشوا فيها مستغنين، وذكر غير واحد أنه يقال: غني بالمكان يغنى غنى وغنياناً إذا أقام به دهراً طويلاً، وقيده بعضهم بالإقامة في عيش رغد، وقال ابن الأنباري كغيره: إنه من الغنى ضد الفقر كما في قول حاتم:
غنينا زماماً بالتصعلك والغنى   فكلا سقاناه بكأسهما الدهر
فما زادنا بغياً على ذي قرابة   غنانا ولا أزرى بأحسابنا الفقر
/ وعلى هذا تفسير قتادة، ورد الراغب غني بمعنى أقام إلى هذا المعنى فقال: ((غَنِيَ في مكان [كذا إذا] طال مقامه فيه مستغنياً به عن غيره [بغنىً]))، وقول بعضهم في بيان الآية: إنهم استؤصلوا بالمرة بيان لحاصل المعنى، وفي بناء الخبر على الموصول إيماء إلى أن علة الحكم هي الصلة فكأنه قيل: الذين كذبوا شعيباً هلكوا لتكذيبهم إياه هلاك الأبد، ويشعر ذلك هنا بأن مصدقيه عليه السلام نجوا نجاة الأبد، وهذا مراد من قال بالاختصاص في الآية، وقيل: إنه مبني على أن مثل هذا التركيب كما يفيد التقوى قد يفيد الاختصاص نحوٱللَّهُ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ } [الرعد: 26] والقرينة عليه هنا أنه سبحانه ذكر فيما سبق المؤمنين والكافرين ولم يذكر هنا إلاَّ هلاك المكذبين، ويرجع حاصل المعنى بالآخرة إلى أنهم عوقبوا بتوعدهم السابق بالإخراج وصاروا هم المخرجين من القرية إخراجاً لا دخول بعده دون شعيب عليه السلام ومن معه.

وقوله تعالى: { ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْبًا كَانُواْ هُمُ ٱلْخَـٰسِرِينَ } استئناف آخر لبيان ابتلائهم بعقوبة قولهم الأخير، واستفادة الحصر هنا أوضح من استفادته فيما تقدم، أي الذين كذبوه عليه السلام عوقبوا بقولهملَئِنْ ٱتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَـٰسِرُونَ } [الأعراف: 90] فصاروا هم الخاسرين للدنيا والدين لتكذيبهم لا المتبعون له عليه السلام المصدقون إياه عليه السلام، وبهذا القصر اكتفى عن التصريح بالانجاء كما وقع في سورة هود [94] من قوله تعالى:وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُ } الخ، وفي «الكشاف» أن ((في هذا الاستئناف وتكرير الموصول والصلة مبالغة في رد مقالة الملأ لأشياعهم وتسفيه لرأيهم واستهزاء بنصحهم لقومهم واستعظام لما جرى عليهم)). وأنت تعلم أن في استفادة ذلك كله من نفس هذه الآية خفاء، والظاهر أن مجموع الاستئنافين مؤذن به. وبين الطيبـي ذلك بأنه تعالى لما رتب العقاب بأخذ الرجفة وتركهم هامدين لا حراك بهم على التكذيب والعناد اتجه لسائل أن يسأل إلى ماذا صار مآل أمرهم بعد الجثوم؟ فقيل: { ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْبًا كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا } أي إنهم استؤصلوا وتلاشت جسومهم كأن لم يقيموا فيها.

السابقالتالي
2