الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ قَدِ ٱفْتَرَيْنَا عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا ٱللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّعُودَ فِيهَآ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً عَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا ٱفْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِٱلْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْفَاتِحِينَ }

{ قَدِ ٱفْتَرَيْنَا عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا } عظيماً لا يقادر قدره. / { إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ } التي هي الشرك وزعمنا كما زعمتم أن لله سبحانه نداً تعالى عن ذلك علواً كبيراً. { بَعْدَ إِذْ نَجَّٰنَا ٱللَّهُ مِنْهَا } وعلمنا بطلانها وأن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وجواب الشرط محذوف دل عليه ما قبله أي إن عدنا في ملتكم فقد افترينا، واستشكل ذلك بأن الظاهر فيما إذا كان الجواب مثل ما ذكر أن يتعلق ظهوره والعلم به بالشرط نحوإِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ } [يوسف: 77] وإِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ ٱللَّهِ } [التوبة: 40] وإن أكرمتني اليوم فقد أكرمتك أمس، والمقصود هنا تقييد نفس الافتراء بالعود، ولفظ { قَدْ } وصيغة الماضي يمنعانه، والجواب ما أشار إليه الزمخشري من أنه من باب الإخراج لا على مقتضى الظاهر وإيثار قد والماضي الدالين على التأكيد إما لأنه جواب قسم مقدر أو لأنه تعجب على معنى ما أكذبنا أن عدنا الخ. ووجه التعجب أن المرتد أبلغ في الافتراء من الكافر لأن الكافر مفتر على الله تعالى الكذب حيث يزعم أن لله سبحانه نداً ولا ند له والمرتد مثله في ذلك وزائد عليه حيث يزعم أنه قد تبين له ما خفي عليه من التمييز بين الحق والباطل والحمل على التعجب على ما في «الكشف» أولى لأن حذف اللام ضعيف، وجوز أبو حيان تبعاً لابن عطية أن يكون الفعل المذكور قسماً كما يقال برئت من الله تعالى إن فعلت كذا وكقول مالك بن الأشتر النخعي:
أبقيت وفري وانحرفت عن العلا   ولقيت أضيافي بوجه عبوس
إن لم أشن على ابن هند غارة   لم تخل يوماً من ذهاب نفوس
وهذا نوع من أنواع البديع وقد ذكره غير واحد من أصحاب «البديعيات»، ومثله عز الدين الموصلي بقوله:
برئت من سلفي والشم من هممي   إن لم أدن بتقى مبرورة القسم
والباعونية بقولها:
لامكنتني المعالي من سيادتها   إن لم أكن لهم من جملة الخدم
{ وَمَا يَكُونُ لَنَا } أي ما يصح لنا وما يقع فيكون تامة، وقد يأتي ذلك بمعنى ما ينبغي وما يليق. { أَن نَّعُودَ فِيهَا } في حال من الأحوال أو وقت من الأوقات { إِلا أَن يَشَاء ٱللَّهُ رَبُّنَا } أي إلا حال أو وقت مشيئة الله لعودنا، والتعرض لعنوان الربوبية للتصريح بأنه المالك الذي لا يسأل عما يفعل. { وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْء عِلْمًا } فهو سبحانه يعلم كل حكمة ومصلحة ومشيئته على موجب الحكمة فكل ما يقع مشتمل عليها، وهذا إشارة إلى عدم الأمن من مكر الله سبحانه فإنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الكافرون، وفيه من الانقطاع إلى الله تعالى ما لا يخفى، ويؤكد ذلك قوله تعالى: { عَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلْنَا } فإن التوكل عليه سبحانه إظهار العجز والاعتماد عليه جل شأنه، وإظهار الاسم الجليل للمبالغة، وتقديم المعمول لإفادة الحصر.

السابقالتالي
2 3