الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ ٱلْحَقُّ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ }

{ وَٱلْوَزْنُ } أي وزن الأعمال والتمييز بين الراجح منها والخفيف والجيد والرديء، وهو مبتدأ وقوله تعالى: { يَوْمَئِذٍ } متعلق بمحذوف خبره، وقوله تعالى: { ٱلْحَقُّ } صفته أي والوزن الحق ثابت يوم إذ يكون السؤال والقص. واختار هذا بعض من المعربين، وقيل: الظاهر أن { ٱلْحَقُّ } خبر و { يَوْمَئِذٍ } ظرف للوزن لئلا يقع الفصل بين الصفة والموصوف. ولعل وجه عدم اختيار هذا أن فيه أعمال المصدر المعرف وهو قليل. وفي «الكشف» ليس المعنى على أن الوزن هو الحق بل أن الوزن الحق يكون يومئذ ألا يرى إلى قوله سبحانه:وَنَضَعُ ٱلْمَوٰزِينَ ٱلْقِسْطَ لِيَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ } [الأنبياء: 47] وذكر الأصفهاني في «شرح اللمع» لابن جني أن (الحق) بدل من الضمير المستتر في الظرف، وهو وجه حسن إلا أن الأول رجح جانب المعنى ولم يبال بالفصل بالخبر لاتحاده من وجه بالمبتدأ لا سيما والظرف يتوسع فيه. وجوز أبو البقاء أن يكون (الحق) خبر مبتدأ محذوف كأنه قيل: ما ذلك الوزن؟ فقيل: هو الحق أي العدل السوي. وأن يكون (الوزن) خبر مبتدأ محذوف أيضاً أي هذا الوزن وهو كما ترى. وقرىء { ٱلْقِسْطَ } «والوزن ـ كما قال الراغب ـ معرفة قدر الشيء يقال: وزنته وزنا وزنة، والمتعارف فيه عند العامة ما يقدر (بالقسطاس) والقبان». واختلف في كيفيته يوم القيامة.

والجمهور ـ كما قال القاضي ـ على أن صحائف الأعمال هي التي توزن بميزان له لسان وكفتان لينظر إليه الخلائق إظهاراً للمعادلة وقطعاً للمعذرة كما يسألون عن أعمالهم فتعترف بها ألسنتهم وجوارحهم. ولا تعرض لهم لماهية هاتيك الصحائف والله تعالى أعلم بحقيقتها. ويؤيد ذلك ما أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجه والحاكم وصححه والبيهقي وغيرهم عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يصاح برجل من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة فينشر له تسعة وتسعون سجلاً كل سجل منها مد البصر فيقول سبحانه: أتنكر من هذا شيئا؟ أظلمك كتبتي الحافظون فيقول: لا يا رب فيقول سبحانه أفلك عذر أو حسنة؟ فيهاب الرجل فيقول لا يا رب فيقول جل شأنه: بلى إن لك عندنا حسنة وإنه لا ظلم عليك اليوم فتخرج له بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله فيقول: يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فيقال: إنك لا تظلم فتوضع السجلات في كفة / والبطاقة في كفة فطاشت السجلات وثقلت البطاقة ولا يثقل مع اسم الله تعالى شيء " وهذه الشهادة ـ على ما قاله القرطبي نقلاً عن الحيكم الترمذي ـ ليست شهادة التوحيد لأن من شأن الميزان أن يوضع في إحدى كفتيه شيء وفي الأخرى ضده فتوضع الحسنات في كفة والسيئات في كفة ومن المستحيل أن يؤتى لعبد واحد بكفر وإيمان معاً فيستحيل أن توضع شهادة التوحيد في الميزان أما بعد الإيمان فإن النطق بهذه الكلمة الطيبة حسنة فتوضع في الميزان كسائر الحسنات.

السابقالتالي
2 3 4