الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَٰدِلُونَنِي فِيۤ أَسْمَآءٍ سَمَّيْتُمُوهَآ أَنْتُمْ وَآبَآؤكُمُ مَّا نَزَّلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ فَٱنْتَظِرُوۤاْ إِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ ٱلْمُنْتَظِرِينَ }

{ قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ } أي وجب وثبت. وأصل استعمال الوقوع في نزول الأجسام، واستعماله هنا فيما ذكر مجاز من إطلاق السبب على المسبب. ويجوز أن يكون في الكلام استعارة تبعية والمعنى قد نزل عليكم، واختار بعضهم أن { وَقَعَ } بمعنى قضى وقدر لأن المقدرات تضاف إلى السماء وحرف الاستعلاء على ذلك ظاهر، وفي «الكشف» أن الوقوع بمعنى الثبوت وحرف الاستعلاء إما لأنه ثبوت قوي أكد ما يكون وآجبه أو لأنه ثبوت حسي لأمر نازل من علو وعذاب الله تعالى موصوف بالنزول من السماء فتدبر. والتعبير بالماضي لتنزيل المتوقع منزلة الواقع كما في قوله تعالى:أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ } [النحل: 1].

{ مِّنْ رَّبِّكُمْ } أي من قبل مالك أمركم سبحانه وتعالى. والجار والمجرور قيل: متعلق بمحذوف وقع حالاً مما بعد، والظاهر أنه متعلق بالفعل قبله، وتقديم الظرف الأول عليه مع أن المبدأ متقدم على المنتهي ـ كما قال شيخ الإسلام ـ للمسارعة إلى بيان إصابة المكروه لهم، وكذا تقديمهما على الفاعل وهو قوله تعالى: { رجْسٌ } مع ما فيه من التشويق إلى المؤخر ولأن فيه نوع طول بما عطف عليه من قوله تعالى: { وَغَضَبٌ } فربما يخل تقديمهما بتجاوب النظم الكريم. والرجس العذاب وهو بهذا المعنى في كل القرآن عند ابن زيد من الارتجاس وهو والارتجاز بمعنى حتى قيل: إن أصله ذلك فأبدلت الزاي سيناً كما أبدلت السين تاء في قوله:
ألا لحى الله بني السعلات   عمرو بن يربوع شرار النات
ليسوا بأعفاف ولا أكيات   
فإنه أراد الناس وأكياس. وأصل معناه الاضطراب ثم شاع فيما ذكر لاضطراب من حل به، وعليه فالعطف في قوله:
/ إذا سنة كانت بنجد محيطة   وكان عليهم رجسها وعذابها
للتفسير. والغضب عند كثير بمعنى إرادة الانتقام. وعن ابن عباس أنه فسر الرجس باللعنة والغضب بالعذاب وأنشد له البيت السابق وفيه خفاء. والذاهبون إلى ما تقدم إنما لم يفسروه بالعذاب لئلا يتكرر مع ما قبله، ولا يبعد أن يفسر الرجس بالعذاب والغضب باللعن والطرد على عكس ما نسب إلى ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ويكون في الكلام حينئذٍ إشارة إلى حالهم في الأولى والأخرى. ويمكن إرجاع ما ذكره الكثير من المفسرين إلى هذا وإلا فالظاهر أنه لا لطافة في قولك: وقع عليهم عذاب وإرادة انتقام على ظاهر كلامهم. وأياً ما كان فالتنوين للتفخيم والتهويل.

{ أَتُجَادلُونَني في أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَءَابَاؤُكُمْ } إنكار واستقباح لإنكارهم مجيئه عليه السلام داعياً لهم إلى عبادة الله تعالى وحده وترك ما كان يعبد آباؤهم من الأصنام والأسماء عبارة عن تلك الأصنام الباطلة، وهذا كما يقال لما لا يليق ما هو إلا مجرد اسم، والمعنى أتخاصمونني في مسميات وضعتم لها أسماء لا تليق بها فسميتموها آلهة من غير أن يكون فيها من مصداق الإلهية شيء ما لأن المستحق للمعبودية ليس إلا من أوجد الكل وهي بمعزل عن إيجاد ذرة وأنها لو استحق لكان ذلك بجعله تعالى إما بإنزال آية أو نصب حجة وكلاهما مستحيل وذلك قوله تعالى: { مَا نَزَّلَ ٱللَّهُ بهَا منْ سُلْطَان } أي حجة ودليل وحيث لم يكن ذلك في حيز الإمكان تحقق بطلان ما هم عليه.

السابقالتالي
2