الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ ٱلَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِٱلْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَآءَ فَيَشْفَعُواْ لَنَآ أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ ٱلَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ }

{ هَلْ يَنظُرُونَ } أي ما ينتظر هؤلاء الكفرة بعدم إيمانهم به شيئاً { إِلاَّ تَأْوِيلَهُ } أي عاقبته وما يؤول إليه أمره من تبين صدقه بظهور ما أخبر به من الوعد والوعيد، والمراد أنهم بمنزلة المنتظرين وفي حكمهم من حيث إن ما ذكر يأتيهم لا محالة، وحينئذٍ فلا يقال: كيف ينتظرونه وهم جاحدون غير متوقعين له؟. وقيل: إن فيهم أقواماً يشكون ويتوقعون فالكلام من قبيل ـ بنو فلان قتلوا زيداً ـ { يَوْمَ يَأْتِى تَأْوِيلُهُ } وهو يوم القيامة، وقيل: هو ويوم بدر { يَقُولُ ٱلَّذِينَ نَسُوهُ } أي تركوه ترك المنسي فأعرضوا عنه ولم يعملوا به { مِن قَبْلُ } أي من قبل إتيان تأويله { قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِٱلْحَقّ } أي قد تبين أنهم قد جاؤوا بالحق، وإنما فسر بذلك لأنه الواقع هناك ولأنه الذي يترتب عليه طلب الشفاعة المفهوم من قوله سبحانه: { فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُواْ لَنَا } اليوم ويدفعوا عنا ما نحن فيه { أَوْ نُرَدُّ } عطف على الجملة قبله داخل معه في حكم الاستفهام.

و { مِنْ } مزيدة في المبتدأ. وجوز أن تكون مزيدة في الفاعل بالظرف كأنه قيل: هل لنا من شفعاء أو هل نرد إلى الدنيا؟ ورافعه وقوعه موقعاً يصلح للاسم كما تقول ابتداء هل يضرب زيد، ولا يطلب له فعل آخر يعطف عليه فلا يقدر هل يشفع لنا شافع أو نرد قاله الزمخشري، وأراد ـ كما في «الكشف» ـ لفظاً لأن الظرف مقدر بجملة، و { هل } مما له اختصاص بالفعل، والعدول للدلالة على أن تمني الشفيع أصل وتمنى الرد فرع لأن ترك الفعل إلى الاسم مع استدعاء هل للفعل يفيد ذلك فلو قدر لفاتت نكتة العدول معنى مع الغنى عنه لفظاً، وقرأ ابن أبـي إسحاق { أو نرد } بالنصب عطفاً على { فيشفعوا لنا } المنصوب في جواب الاستفهام أو لأن { أَوْ } بمعنى إلى أن أو حتى أن على ما اختاره الزمخشري إظهاراً لمعنى السببية، قال القاضي: فعلى الرفع المسؤول أحد الأمرين الشفاعة والرد إلى الدنيا، وعلى النصب المسؤول أن يكون لهم شفعاء إما لأحد الأمرين من الشفاعة في العفو عنهم والرد إن كانت { أَوْ } عاطفة وإما لأمر واحد إذا كانت بمعنى إلى أن إذ معناه حينئذٍ يشفعون إلى الرد، وكذا إذا كانت بمعنى حتى إن أي يشفعون حتى يحصل الرد.

{ فَنَعْمَلَ } بالنصب جواب الاستفهام الثاني أو معطوف على { نرد } مسبب عنه على قراءة ابن أبـي إسحاق. وقرأ الحسن بنصب { نرد } ورفع { نعمل } أي فنحن نعمل { غَيْرَ ٱلَّذِى كُـنَّا نَعْمَلُ } أي في الدنيا من الشرك والمعصية { قَدْ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ } بصرف أعمارهم التي هي رأس مالهم إلى الشرك والمعاصي { وَضَلَّ عَنْهُم } غاب وفقد { مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } أي الذي كانوا يفترونه من الأصنام شركاء لله سبحانه وشفعاءهم يوم القيامة، والمراد أنه ظهر بطلانه ولم يفدهم شيئاً.

السابقالتالي
2 3 4 5 6