الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَآءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتاً أَوْ هُمْ قَآئِلُونَ }

{ وَكَم مّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَـٰهَا } شروع في تذكيرهم وإنذارهم ما نزل بمن قبلهم من العذاب بسبب إعراضهم عن دين الله تعالى وإصرارهم على أباطيل أوليائهم، و { كَمْ } خبرية للتكثير في محل رفع على الابتداء؛ والجملة بعدها خبرها و { من } سيف خطيب و { قَرية } تمييز. ويجوز أن يكون محل { كَمْ } نصباً على الاشتغال، وضمير { أَهْلَكْنَـٰهَا } راجع إلى معنى كم فإن المعنى قرى كثيرة أهلكناها، والمراد بإهلاكها إرادة إهلاكها مجازاً كما في قوله تعالى:إِذَا قُمْتُمْ إِلَى ٱلصَّلاةِ } [المائدة: 6] الآية فلا إشكال في التعقيب الذي تفهمه الفاء في قوله سبحانه: { فَجَاءَهَا بَأْسُنَا } أي عذابنا، واعترض هذا الجواب بعض المدققين بأن فيه إشكالاً أصولياً، وهو أن الإرادة إن كانت باعتبار تعلقها التنجيزي فمجىء البأس مقارن لها لا متعقب لها وبعدها، وإن لم يرد ذلك فهي قديمة فإن كان البأس يعقبها لزم قدم العالم وإن تأخر عنها لزم العطف بثم. وأجيب بأن المراد التعلق التنجيزي قبل الوقوع أي قصدنا إهلاكها فتدبر، وقيل: إن المراد بالإهلاك الخذلان وعدم التوفيق فهو استعارة أو من إطلاق المسبب على السبب، وإلى هذا يشير كلام ابن عطية وتعقب بأنه اعتزالي وأن الصواب أن يقال: معناه خلقنا في أهلها الفسق والمخالفة فجاءها بأسنا، وقيل: المراد حكمنا بإهلاكها فجاءها، وقيل: الفاء تفسيرية نحو توضأ فغسل وجهه الخ. وقيل: إن الفاء للترتيب الذكري. وقال ابن عصفور: إن المراد أهلكناها هلاكاً من غير استئصال فجاءها هلاك الاستئصال، وقال الفراء: الفاء بمعنى الواو أو المراد فظهر مجىء بأسنا واشتهر، وقيل: الكلام على القلب وفيه تقديم وتأخير أي أهلكناها بَيَاتاً أَوْ هُمْ قَائلُونَ فجاءها بأسنا فالإهلاك في الدنيا ومجىء البأس / في الآخرة فيشمل الكلام عذاب الدارين، ويأباه ما بعد إباء ظاهراً فإنه يدل على أن العذاب في الدنيا، وقدر غير واحد في النظم الكريم مضافاً أي فجاء أهلها.

وجوز بعضهم الحمل على الاستخدام لأن القرية تطلق على أهلها مجازاً، ومن الناس من قدر في الأول المضاف أيضاً مع أن القرية تتصف بالهلاك وهو الخراب.

والبيات في الأصل مصدر بات يبيت بيتاً وبيتة وبياتاً وبيتوتة، وذكر الراغب: «أن البيات وكذا التبييت قصد العدو ليلاً». وقال الليث: البيتوتة الدخول في الليل، ونصبه على الحال بتأويله ببائتين. وجوز أن يكون على الظرفية وهو خلاف الظاهر، واحتمال النصب على المفعولية له ـ كما زعم أبو البقاء ـ مما لا يلتفت إليه. و (أو) للتنويع وما بعدها عطف على الحال وهو في موضع الحال أيضاً وأضمرت فيه الواو ـ كما قال ابن الأنباري ـ لوضوح المعنى ومن أجل أن (أو) حرف عطف والواو كذلك فاستثقلوا الجمع بين حرفين من حروف العطف فحذفوا الثاني، ونقل ذلك عن الفراء أيضاً.

السابقالتالي
2 3