الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ فَرِيقاً هَدَىٰ وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلضَّلاَلَةُ إِنَّهُمُ ٱتَّخَذُوا ٱلشَّيَاطِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ }

وعليه يكون قوله سبحانه: { فَرِيقًا هَدَىٰ وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلضَّلَـٰلَةُ } بياناً وتفصيلاً لذلك، ونظيره قوله تعالى: { خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } بعد قوله عز شأنه:إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَ } [آل عمران: 59] قيل: وهو الأنسب بالسياق. وذكر الطيبـي أن هٰهنا نكتة سرية وهي أن يقال: إنه تعالى قدم في قوله سبحانه:كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ } [الأعراف: 29] المشبه به على المشبه لينبه العاقل على أن قضاء الشؤون لا يخالف القدر والعلم الأزلي البتة وكما روعي هذه الدقيقة في المفسر روعيت في التفسير وزيد أخرى عليها وهي أنه سبحانه قدم مفعول { هُدىٰ } للدلالة على الاختصاص وأن فريقاً آخر ما أراد هدايتهم وقرر ذلك بأن عطف عليه { وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلضَّلَـٰلَةُ } وأبرزه في صورة الإضمار على شريطة التفسير أي أضل فريقاً حق عليهم الضلالة وفيه مع الاختصاص التوكيد كما قرره صاحب «المفتاح» لتنقطع ريبة المخالف ولا يقول: إن علم الله تعالى لا أثر له في ضلالتهم انتهى.

وكأنه يشير بذلك إلى رد قول الزمخشري في قوله تعالى: { إِنَّهُمُ ٱتَّخَذُوا ٱلشَّيَـٰطِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } «أي تولوهم بالطاعة فيما أمروهم به، وهذا دليل على أن علم الله تعالى لا أثر له في ضلالهم وأنهم هم الضالون باختيارهم وتوليتهم الشياطين دون الله تعالى» فجملة { إِنَّهُمُ ٱتَّخَذُوا } على هذا تعليل لقوله سبحانه: { وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلضَّلَـٰلَةُ } ويؤيد ذلك أنه قرىء { أَنَّهُمْ } بالفتح. ويحتمل أن تكون تأكيداً لضلالهم وتحقيقاً له وأنا ـ والحق أحق بالاتباع ـ مع القائل: إن علم الله تعالى لا يؤثر في المعلوم وأن من علل الجبر به مبطل كيف والمتكلمون عن آخرهم قائلون: إن العلم يتعلق بالشيء على ما هو عليه إنما الكلام في أن قدرة الله تعالى لا أثر لها على زعم الضلال أصحاب الزمخشري ونحن مانعون لذلك أشد المنع. ولا منع من التعليل بالاتخاذ عند الأشاعرة / لثبوت الكسب والاختيار ويكفي هذه المدخلية في التعليل. والزمخشري قدر الفعل في قوله سبحانه: { وَفَرِيقًا حَقَّ } خذل ووافقه بعض الناس وما فعله الطيبـي هو المختار عند بعض المحققين لظهور الملاءمة فيه وخلوه عن شبهة الاعتزال. واختير تقديره مؤخراً لتتناسق الجملتان، وهما عند الكثير في موضع الحال من ضميرتَعُودُونَ } [الأعراف: 29] بتقدير قد أو مستأنفتان، وجوز نصب { فَرِيقاً } الأول و { فَرِيقاً } الثاني على الحال والجملتان بعدهما صفتان لهما، ويؤيد ذلك قراءة أبـي { تَعُودُونَ فَرِيقَيْن فَرِيقًا هَدَىٰ وَفَرِيقًا } الخ، والمنصوب على هذه القراءة إما بدل أو مفعول به لأعني مقدراً. ولم تلحق تاء التأنيث ـ لحق ـ للفصل أو لأن التأنيث غير حقيقي، والكلام على تقدير مضاف عند بعض أي حق عليهم كلمة الضلالة وهي قوله سبحانه: { ضَلُّواْ }.

السابقالتالي
2