الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا قُرِىءَ ٱلْقُرْآنُ فَٱسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }

{ وَإِذَا قُرِىءَ ٱلْقُرْآنُ فَٱسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ } إرشاد إلى طريق الفوز بما أشير إليه من المنافع الجليلة التي ينطوي عليها القرآن، والاستماع معروف؛ واللام يجوز أن تكون أجلية وأن تكون بمعنى إلى وأن تكون صلة، أي فاستمعوه، والإنصات السكوت يقال: نصت ينصت وأنصت وانتصت إذا سكت والاسم النصتة بالضم، ويقال كما قال الأزهري: أنصته وأنصت له إذا سكت له واستمع لحديثه، وجاء أنصته إذا أسكته، والعطف للاهتمام بأمر القرآن، وعلل الأمر بقوله سبحانه وتعالى: { لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } أي لكي تفوزوا بالرحمة التي هي أقصى ثمراته.

والآية دليل لأبـي حنيفة رضي الله تعالى عنه في أن المأموم لا يقرأ في سرية ولا جهرية لأنها تقتضي وجوب الاستماع عند قراءة القرآن في الصلاة وغيرها؛ وقد قام الدليل في غيرها على جواز الاستماع وتركه فبقي فيها على حاله في الإنصات للجهر وكذا في الإخفاء لعلمنا بأنه يقرأ، ويؤيد ذلك أخبار جمة، فقد أخرج عبد بن حميد وابن أبـي حاتم والبيهقي في «سننه» عن مجاهد قال: قرأ رجل من الأنصار خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة فنزلت { وَإِذَا قُرِىءَ ٱلْقُرْآنُ } الخ. وأخرج ابن جرير وغيره عن ابن مسعود أنه صلى بأصحابه فسمع أناساً يقرؤون خلفه فلما انصرف قال: أما آن لكم أن تفهموا أما آن لكم أن تعقلوا { وَإِذَا قُرِىءَ ٱلْقُرْآنُ فَٱسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ } كما أمركم الله تعالى. / وأخرج ابن أبـي شيبة عن زيد بن ثابت قال: لا قراءة خلف الإمام. وأخرج أيضاً عن أبـي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " " إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا وإذا قرأ فأنصتوا ". وأخرج أيضاً عن جابر أن النبـي صلى الله عليه وسلم " قال: من كان له إمام فقراءته له قراءة " وهذا الحديث إذا صح وجب أن يخص عموم قوله تعالى:فَٱقْرَءواْ مَا تَيَسَّرَ } [المزمل: 20] وقوله صلى الله عليه وسلم: " لا صلاة إلا بقراءة " على طريقة الخصم مطلقاً فيخرج المقتدي وعلى طريقتنا أيضاً لأن ذلك العموم قد خص منه البعض وهو المدرك في الركوع إجماعاً فجاز التخصيص بعده بالمقتدي بالحديث المذكور، وكذا يحمل " قوله عليه الصلاة والسلام للمسىء صلاته: " فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن " على غير حالة الاقتداء جمعاً بين الأدلة، بل قد يقال: إن القراءة ثابتة من المقتدي شرعاً فإن قراءة الإمام قراءة له فلو قرأ لكان له قراءتان في صلاة واحدة وهو غير مشروع.

بقي الكلام في تصحيح الخبر، وقد روي من طرق عديدة مرفوعاً عن جابر رضي الله تعالى عنه عنه عليه الصلاة والسلام وقد ضعف.

السابقالتالي
2 3 4 5