الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ فَوَسْوَسَ لَهُمَا ٱلشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ ٱلْخَالِدِينَ }

{ فَوَسْوَسَ لَهُمَا ٱلشَّيْطَـٰنُ } أي فعل الوسوسة لأجلهما أو ألقى إليهما / الوسوسة وهي في الأصل الصوت الخفي المكرر، ومنه قيل لصوت الحلي وسوسة، وقد كثرت فعللة في الأصوات كهينمة وهمهمة وخشخشة، وتطلق على حديث النفس أيضاً وفعلها وسوس وهو لازم ويقال: رجل موسوس بكسر الواو لا تفتح على ما قاله ابن الأعرابي. وقال غيره: يقال موسوس بالفتح وموسوس إليه فيكون الأول على الحذف والإيصال. والكلام في كيفية وسوسة اللعين قد تقدمت الإشارة إليه في سورة البقرة.

{ لِيُبْدِيَ لَهُمَا } أي ليظهر لهما، واللام إما للعاقبة لأن الشيطان لم يقصد بوسوسته ذلك ولم يخطر له ببال وإنما ءال الأمر إليه، وإما للتعليل على ما هو الأصل فيها، ولا يبعد أنه أراد بوسوسته أن يسوءهما بانكشاف عورتيهما ولذلك عبر عنهما بالسوأة، ويكون هذا مبنياً على الحدس أو العلم بالسماع من الملائكة أو الاطلاع على اللوح. قيل: وفي ذلك دليل على أن كشف العورة في الخلوة وعند الزوج من غير حاجة قبيح مستهجن في الطباع.

{ مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَٰتِهِمَا } أي ما غطي وستر عنهما من عوراتهما وكانا لا يريانها من أنفسهما ولا أحدهما من الآخر وكانت مستورة بالنور على ما أخرجه الحكيم الترمذي وغيره عن وهب بن منبه أو بلباس كالظفر على ما أخرجه ابن أبي حاتم عن السدي، وجمع السوآت على حدصَغَتْ قُلُوبُكُمَا } [التحريم: 4] واعتبار الأجزاء بعيد، والمتبادر من هذا الكلام حقيقته، وقيل هو كناية عن إزالة الحرمة وإسقاط الجاه، و { وورِي } بواوين ماضي وارى كضارب وضورب أبدلت ألفه واواً فالواو الأولى فاء الكلمة والثانية زائدة. وقرأ عبد الله { أوري } بالهمزة لأن القاعدة إذا اجتمع واوان في أول كلمة فإن تحركت الثانية أو كان لها نظير متحرك وجب إبدال الأولى همزة تخفيفاً مثال الأول أو يصل وأواصل في تصغير واصل وتصغيره ومثال الثاني أولى أصله وولى فأبدلت الأولى لما تحركت الثانية في الجمع وهو أول فإن لم يتحرك بالفعل أو القوة جاز الإبدال وعدمه كما هنا قاله الشهاب نقلاً عن النحاة. وقرىء { سوأتهما } بالإفراد والهمزة على الأصل و { سوتهما } بإبدال الهمزة واواً وإدغام الواو في الواو، وقرىء { سواتهما } بالجمع وطرح حركة الهمزة على ما قبلها وحذفها و { سواتهما } بالطرح وقلب الهمزة واواً والإدغام.

{ وَقَالَ } عطف على (وسوس) بطريق البيان { مَا نَهَـٰكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةِ } أي الأكل منها { إِلا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ } استثناء مفرغ من المفعول لأجله بتقدير مضاف أو حذف حرف النفي ليكون علة أي كراهية أن تكونا أو لئلا تكونا ملكين { أَوْ تَكُونَا مِنَ ٱلْخَـٰلِدِينَ } أي الذين لا يموتون أصلاً أو الذين يخلدون في الجنة.

السابقالتالي
2