الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ أَوَلَمْ يَنْظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا خَلَقَ ٱللَّهُ مِن شَيْءٍ وَأَنْ عَسَىۤ أَن يَكُونَ قَدِ ٱقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ }

{ أَوَ لَمْ يَنظُرُواْ فِى مَلَكُوتِ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } فهو مسوق للإنكار والتوبيخ بإخلالهم بالتأمل بالآيات التكوينية إثر ما نعى عليهم ما نعى، والهمزة هنا كالهمزة فيما قبل، والواو للعطف على مقدر كما تقدم أو على الجملة المنفية بلم، والملكوت الملك العظيم، أي أكذبوا أو لم يتفكروا فيما ذكر ولم ينظروا نظر تأمل واستدلال فيما يدل على كمال قدرة الصانع ووحدة المبدع وعظيم شأن المالك ليظهر لهم صحة ما يدعوهم إليه ذاك الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وكأن التعبير بالنظر هنا دون التفكر الذي عبر به فيما قبل للإشارة إلى أن الدليل هنا أوضح منه فيما تقدم.

وقوله سبحانه وتعالى: { وَمَا خَلَقَ ٱللَّهُ مِن شَيْء } يحتمل أن يكون عطفاً على { مَلَكُوتِ } وتخصيصه بالسماوات والأرض لكمال ظهور عظم الملك فيهما، وأن يكون عطفاً على المضاف هو إليه فيكون منسحباً على الجميع، والتعميم لاشتراك الكل في عظم الملك في الحقيقة، و { مِن شَيْءٍ } بيان لما، وفي ذلك تنبيه على أن الدلالة على التوحيد غير مقصورة على السماوات والأرض بل كل ذرة من ذرات العالم دليل على توحيده:
وفي كل شيء له آية   تدل على أنه واحد
وهذا أمر متفق عليه عند العقلاء. نعم منهم من جعل وجه الدلالة الحدوث وهو الذي عليه معظم المتكلمين، ومنهم من جعل وجهها الإمكان وهو الذي عليه الفلاسفة واختاره بعض المتكلمين، ورجح الأول قطب عصره الشيخ خالد المجددي قدس سره في «تعليقاته على حواشي عبد الحكيم على الخيالي» فارجع إليها.

وقوله تعالى: / { وَأَنْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ قَدِ ٱقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ } عطف على { مَلَكُوتِ } فهو معمول لينظروا لكن لا يعتبر فيه بالنظر إليه أنه للاستدلال بناء على ما قالوا: إن قيد المعطوف عليه لا يلزم ملاحظته في المعطوف، وقد تقدم الكلام في ذلك، و { أَنْ } مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن وخبرها { عَسَىٰ } مع فاعلها الذي هو { أَن يَكُونَ } ، وخبر ضمير الشأن لا يشترط فيه الخبرية ولا يحتاج إلى التأويل كما نص عليه المحققون فلا معنى للمناقشة في ذلك، واسم يكون أيضاً ضمير الشأن والخبر { قَدِ ٱقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ } ، ولم يجعلوا هذا من باب التنازع لأن تنازع كان وخبرها مما لم يعهد لا لأن ذلك خلاف الأصل لما فيه من الإضمار قبل الذكر لأن ذلك لازم على جعل الاسم ضمير الشأن ولا ضير في كل، وأمر التكرار فيما ذكرنا سهل فلا يرتكب له خلاف المعهود خلافاً للقطب الرازي، وجوز أبو البقاء أن تكون مصدرية، وتعقب بأنها لا توصل إلا بالفعل المتصرف وعسى ليست كذلك، والمعنى أو لم ينظروا في اقتراب آجالهم وتوقع حلولها فيسارعوا إلى طلب الحق والتوجه إلى ما ينجيهم قبل مغافصة الموت ومفاجأته ونزول العذاب، فالمراد بأجلهم أجل موتهم، وجوز أن يكون عبارة عن الساعة، والإضافة إلى ضميرهم لملابستهم لها من جهة إنكارهم إياها وبحثهم عنها.

السابقالتالي
2