الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱلَّذِي ۤ ءَاتَيْنَاهُ ءَايَاتِنَا فَٱنْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ ٱلشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ ٱلْغَاوِينَ }

{ وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ } تعطف على المضمر العامل فيإِذْ أَخَذَ } [الأعراف: 172] وارد على نمط الأنباء عن الحور بعد الكور، أي واقرأ على اليهود أو على قومك كما في الخازن { نَبَأَ ٱلَّذِى ءَاتَيْنَـٰهُ ءَايَـٰتِنَا } أي خبره الذي له شأن وخطر، وهو كما روى ابن مردويه وغيره من طرق عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما بلعم بن باعوراء وفي لفظ بلعام بن باعر وكان من الكنعانيين، وفي رواية عنه وعن أبـي طلحة أنه من بني إسرائيل، وأخرج ابن عساكر عن ابن شهاب أنه أمية بن أبـي الصلت. وأخرج أبو الشيخ عن الحبر أنه رجل من بني إسرائيل له زوجة تدعى البسوس، وفي رواية أخرى أخرجها ابن أبـي حاتم عنه أنه النعمان بن صيفي الراهب، وكونه إسرائيلياً أنسب بالمقام كما لا يخفى، والأشهر أنه بلعام أو بلعم وكان قد أوتي علماً ببعض كتب الله تعالى، ودون ذلك في الشهرة أنه أمية وكان قد قرأ بعض الكتب.

{ فَٱنْسَلَخَ مِنْهَا } أي من تلك الآيات انسلاخ الجلد من الشاة، والمراد أنه خرج منها بالكلية بأن كفر بها ونبذها وراء ظهره، وحقيقة السلخ كشط الجلد وإزالته بالكلية عن المسلوخ عنه، ويقال لكل شيء فارق شيئاً على أتم وجه انسلخ منه، وفي التعبير به ما لا يخفى من المبالغة، واستأنس بعضهم بهذه الآية لأن العلم لا ينزع من الرجال حيث قال سبحانه وتعالى: { فَٱنْسَلَخَ مِنْهَا } ولم يقل عز شأنه فانسلخت منه { فَأَتْبَعَهُ ٱلشَّيْطَـٰنُ } أي لحقه وأدركه كما قال الراغب بعد أن لم يكن مدركاً له لسبقه بالإيمان والطاعة، وقال الجوهري يقال: أتبعت القوم إذا سبقوك فلحقتهم وكأن المعنى جعلتهم تابعين لي بعد ما كنت تابعاً لهم، وفيه حينئذٍ مبالغة في اللحوق إذ جعل كأنه إمام للشيطان والشيطان يتبعه وهو من الذم بمكان، ونظيره في ذلك قوله:
وكان فتى من جند إبليس فارتقى   به الحال حتى صار إبليس من جنده
وصرح بعضهم بأن معناه استتبعه أي جعله تابعاً له، وهو على ما قيل متعد لمفعولين حذف ثانيهما أي أتبعه خطواته. وقرىء { فَاَتْبَعَهُ } من الافتعال { فَكَانَ مِنَ ٱلْغَاوِينَ } فصار من زمرة الضالين الراسخين في الغواية بعد أن كان مهتدياً، وكيفية ذلك على القول بأنه بلعام أن موسى عليه السلام لما قصد / حرب الجبارين أتى قوم بلعام إليه وكان عنده اسم الله تعالى الأعظم فقالوا له: إن موسى عليه الصلاة والسلام رجل حديد وإن معه جنوداً كثيرة وإنه قد جاء ليخرجنا من أرضنا فادع الله تعالى أن يرده عنا، فقال: ويلكم نبـي الله تعالى ومعه الملائكة والمؤمنون فكيف أدعو عليهم وأنا أعلم من الله تعالى ما أعلم وإني إن فعلت ذهبت دنياي وآخرتي فألحوا عليه، فقال: حتى أوامر ربـي فأتى في المنام وقيل له: لا تفعل فأخبر قومه فأهدوا له هدية فقبلها ولم يزالوا يتضرعون إليه حتى فتنوه فجعل يدعو على موسى عليه الصلاة والسلام وقومه إلا أن الله تعالى جعل يصرف لسانه إلى الدعاء على قومه نفسه، فقالوا له: يا بلعام أتدري ما تصنع إنك تدعو علينا، فقال: هذا أمر قد غلب الله تعالى عليه فاندلع لسانه ووقع على صدره، فقال: يا قوم قد ذهبت مني الدنيا والآخرة ولم يبق إلا المكر والحيلة جملوا النساء وأرسلوهن وأمروهن أن لا يمنعن أنفسهن فإن القوم سفر وإن الله سبحانه وتعالى يبغض الزنا وإن هم وقعوا فيه هلكوا ففعلوا ذلك فافتتن زمرى بن شلوم رأس سبط شمعون بن يعقون بامرأة منهن تسمى كستى بنت صور فنهاه موسى عليه السلام عن الفاحشة فأبـى وأدخلها قبته وزنا بها فوقع فيهم الطاعون حتى هلك منهم سبعون ألفاً ولم يرتفع حتى قتلهما فنحاص بن العيزار بن هارون وكان غائباً أول الأمر.

السابقالتالي
2 3 4