الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَٰنَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِيۤ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى ٱلأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ٱبْنَ أُمَّ إِنَّ ٱلْقَوْمَ ٱسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ ٱلأَعْدَآءَ وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّٰلِمِينَ }

{ وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَـٰنَ } مما حدث منهم { أَسَفاً } أي شديد الغضب كما قال أبو الدرداء ومحمد القرظي وعطاء والزجاج، أو حزيناً على ما روي عن ابن عباس والحسن وقتادة رضي الله تعالى عنهم، وقال أبو مسلم: الغضب والأسف بمعنى والتكرير للتأكيد. / وقال الواحدي: هما متقاربان فإذا جاءك ما تكره ممن هو دونك غضبت وإذا جاءك ممن هو فوقك حزنت، فعلى هذا كان موسى عليه السلام غضبان على قومه باتخاذهم العجل حزيناً لأن الله تعالى فتنهم، وقد أخبره سبحانه بذلك قبل رجوعه، ونصب الوصفين على أنهما حالان مترادفان أو متداخلان بأن يكون الثاني حالاً من الضمير المستتر في الأول، وجوز أبو البقاء أن يكون بدلاً من الحال الأولى وهو بدل كل لا بعض كما توهم.

{ قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِي } خطاب إما لعبدة العجل وإما لهارون عليه السلام ومن معه من المؤمنين أي بئسما ما فعلتم بعد غيبتي حيث عبدتم العجل بعدما رأيتم مني من توحيد الله تعالى ونفي الشركاء عنه سبحانه وإخلاص العبادة له جل جلاله، أو بئسما قمتم مقامي حيث لم تراعوا عهدي ولم تكفوا العبدة عما فعلوا بعد ما رأيتم مني من حملهم على التوحيد وكفهم عما طمحت نحوه أبصارهم من عبادة البقر حين قالوااجعل لنا إلۤهاً كما لهم آلهة } [الأعراف: 138] وجوز أن يكون على الخطاب للفريقين على أن المراد بالخلافة الخلافة فيما يعم الأمرين اللذين أشير إليهما ولا تكرار في ذكر { مِن بَعْدِي } بعد { خَلَفْتُمُونِي } لأن المراد من بعد ولايتي وقيامي بما كنت أقوم إذ بعديته على الحقيقة إنما تكون على ما قيل بعد فراقه الدنيا، وقيل: إن { مِن بَعْدي } تأكيد من باب رأيته بعيني وفائدته تصوير نيابة المستخلف ومزاولة سيرته كما أن هنالك تصوير الرؤية وما يتصل بها، و (ما) نكرة موصوفة مفسرة لفاعل بئس المستكن فيه والمخصوص بالذم محذوف أي بئس خلافة خلفتمونيها من بعدي خلافتكم، والذم فيما إذا كان الخطاب لهارون عليه السلام ومن معه من المؤمنين ليس للخلافة نفسها بل لعدم الجري على مقتضاها، وأما إذا كان للسامري وأشياعه فالأمر ظاهر.

{ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ } أي أعجلتم عما أمركم به ربكم وهو انتظار موسى عليه السلام حال كونهم حافظين لعهده وما وصاهم به فبنيتم الأمر على أن الميعاد قد بلغ آخره ولم أرجع إليكم فحدثتم أنفسكم بموتي فغيرتم. روي أن السامري قال لهم حين أخرج لهم العجل وقال: إن هذا إلهكم وإله موسى إن موسى لن يرجع وإنه قد مات. وروي أنهم عدوا عشرين يوماً بلياليها فجعلوها أربعين ثم أحدثوا ما أحدثوا.

السابقالتالي
2 3 4