الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَتَبْنَا لَهُ فِي ٱلأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا سَأُوْرِيكُمْ دَارَ ٱلْفَاسِقِينَ }

{ وَكَتَبْنَا لَهُ فِى ٱلأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَىْءٍ } يحتاجون إليه من الحلال والحرام والمحاسن والقبائح على ما قال الرازي وغيره، وما أخرجه الطبراني. والبيهقي في «الدلائل» عن محمد بن يزيد الثقفي قال: اصطحب قيس بن / خرشة وكعب الأحبار حتى إذا بلغا صفين وقف كعب ثم نظر ساعة ثم قال: ليهراقن بهذه البقعة من دماء المسلمين شيء لا يهراق ببقعة من الأرض مثله فقال قيس: ما يدريك فإن هذا من الغيب الذي استأثر الله تعالى به؟ فقال كعب: ما من الأرض شبر إلا مكتوب في التوراة التي أنزل الله تعالى على موسى ما يكون عليه وما يخرج منه إلى يوم القيامة ظاهر في أن كل شيء أعم مما ذكر، ولعل ذكر ذلك من باب الرمز كما ندعيه في القرآن.

{ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لّكُلِّ شَىْء } بدل من الجار والمجرور، أي كتبنا له كل شيء من المواعظ وتفصيل الأحكام، وإلى هذا ذهب غير واحد من المعربين، وهو مشعر بأن { مِنْ } مزيدة لا تبعيضية، وفي زيادتها في الإثبات كلام، قيل: ولم تجعل إبتدائية حالاً من موعظة و { مَّوْعِظَةً } مفعول به لأنه ليس له كبير معنى، ولم تجعل موعظة مفعول له وإن استوفى شرائطه لأن الظاهر عطف { تَفْصِيلاً } عن { مَّوْعِظَةً } ، وظاهر أنه لا معنى لقولك كتبنا له من كل شيء لتفصيل كل شيء، وأما جعله عطفاً على محل الجار والمجرور فبعيد من جهة اللفظ والمعنى. والطيبـي اختار هذا العطف وأن { مِنْ } تبعيضية و { مَّوْعِظَةً } وحدها بدل، والمعنى كتبنا بعض كل شيء في الألواح من نحو السور والآيات وغيرهما موعظة وكتبنا فيها تفصيل كل شيء يحتاجون إليه من الحلال والحرام ونحو ذلك، وفي ذلك اختصاص الإجمال والتفصيل بالموعظة للإيذان بأن الاهتمام بهذا أشد والعناية بها أتم، ولكونها كذلك كثر مدح النبـي صلى الله عليه وسلم بالبشير النذير، وإشعار بأن الموعظة مما يجب أن يرجع إليه في كل أمر يذكر به، ألا يرى إلى أن أكثر الفواصل التنزيلية والردود على هذا النمط نحوأَفَلاَ تَتَّقُونَ } [الأعراف: 65]أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ } [الأنعام: 80] وإلى سورة الرحمن كيف أعيد فيها ما أعيد وذلك ليستأنف السامع به ادكاراً واتعاظاً ويجدد تنبيهاً واستيقاظاً، وأنت تعلم أن البعد الذي أشرنا إليه باق على حاله، وقوله سبحانه: { لّكُلِّ شَىْءٍ } إما متعلق بما عنده أو بمحذوف كما قال السمين وقع صفة له.

واختلف في عدد الألواح وفي جوهرها ومقدارها وكاتبها فقيل كانت عشرة ألواح، وقيل: سبعة، وقيل: لوحين، قال الزجاج: ويجوز أن يقال في اللغة للوحين ألواح وأنها كانت من زمرد أخضر، أمر الرب تعالى جبريل عليه السلام فجاء بها من عدن، وروي ذلك عن مجاهد، وأخرج أبو الشيخ عن ابن جريج قال: أخبرت أن الألواح كانت من زبرجد، وعن سعيد بن جبير قال: كانوا يقولون إنها كانت من ياقوتة وأنا أقول: إنها كانت من زمرد، وأخرج ابن أبـي حاتم وغيره عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن النبـي صلى الله عليه وسلم أنه قال:

السابقالتالي
2 3 4 5 6