الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَمَّا جَآءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِيۤ أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـٰكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسَىٰ صَعِقاً فَلَمَّآ أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُؤْمِنِينَ }

{ وَلَمَّا جَاءَ مُوسَىٰ لِمِيقَـٰتِنَا } أي لوقتنا الذي وقتناه أي لتمام الأربعين، واللام للاختصاص كما في قوله سبحانه:لِدُلُوكِ ٱلشَّمْسِ } [الإسراء: 78] وهي بمعنى عند عند بعض النحويين { وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ } من غير واسطة بحرف وصوت ومع هذا لا يشبه كلام المخلوقين ولا محذور في ذلك كما أوضحناه في الفائدة الرابعة، وإلى ما ذكر ذهب السلف الصالح، وقد أخرج البزار وابن أبـي حاتم وأبو نعيم في «الحلية». والبيهقي في «الأسماء والصفات» عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لما كلم الله تعالى موسى يوم الطور كلمه بغير الكلام الذي كلمه يوم ناداه فقال له موسى: يا رب أهذا كلامك الذي كلمتني به؟ قال يا موسى: أنا كلمتك بقوة عشرة آلاف لسان ولي قوة الألسن كلها وأقوى من ذلك فلما رجع موسى إلى بني إسرائيل قالوا: يا موسى صف لنا كلام الرحمن، فقال: لا تستطيعونه ألم تروا إلى صوت الصواعق الذي يقبل في أحلى حلاوة سمعتوه فذاك قريب منه وليس به ". وأخرج ابن المنذر وابن أبـي حاتم والحاكم وصححه عن أبـي الحويرث عبد الرحمن بن معاوية قال: «إنما كلم الله تعالى موسى بقدر ما يطيق من كلامه ولو تكلم بكلامه كله لم يطقه شيء» وأخرج جماعة عن كعب قال: «لما كلم الله تعالى موسى كلمه بالألسنة كلها فجعل يقول: يا رب لا أفهم حتى كلمه آخر الألسنة بلسان بمثل صوته» الخبر، وأخرجوا عن ابن كعب القرظي أنه قال: قيل لموسى عليه السلام ما شبهت كلام ربك مما خلق؟ فقال عليه السلام: بالرعد الساكن، وأخرج الديلمي عن أبـي هريرة مرفوعاً لما خرج أخي موسى إلى مناجاة ربه كلمه ألف كلمة ومائتي كلمة فأول ما كلمه بالبربرية، ونقل عن الأشعري أن موسى / عليه السلام إنما سمع الكلام النفسي القائم بذات الله تعالى ولم يكن ما سمعه مختصاً بجهة من الجهات، وحمله على السماع بالفعل مشكل مع الأخبار الدالة على خلافه؛ والظاهر أن ذلك إن صح نقله فهو قول رجع عنه إلى مذهب السلف الذي أبان عن اعتقاده له في «الإبانة».

{ قَالَ رَبِّ أَرِنِي } أي ذاتك أو نفسك فالمفعول الثاني محذوف لأنه معلوم، ولم يصرح به تأدبا { أَنظُرْ إِلَيْكَ } مجزوم في جواب الدعاء، واستشكل بأن الرؤية مسببة عن النظر متأخرة عنه كما يريك ذلك النظر إلى قولهم: نظرت إليه فرأيته، ووجهه أن النظر تقليب الحدقة نحو الشيء التماساً لرؤيته والرؤية الإدراك بالباصرة بعد التلقيب وحينئذ كيف يجعل النظر جواباً لطلب الرؤية مسبباً عنه وهو عكس القضية. وأجيب بأن المراد بالاراءة ليس إيجاد الرؤية بل التمكن منها مطلقاً أو بالتجلي والظهور وهو مقدم على النظر وسبب له، ففي الكلام ذكر الملزوم وإرادة اللازم أي مكنى من رؤيتك أو تجل لي فانظر إليك وأراك.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد