الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَوَاعَدْنَا مُوسَىٰ ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَىٰ لأَخِيهِ هَارُونَ ٱخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ ٱلْمُفْسِدِينَ }

{ وَوٰعَدْنَا مُوسَىٰ ثَلَـٰثِينَ لَيْلَةً } روي أن موسى عليه السلام وعد بني إسرائيل وهم بمصر إن أهلك الله عدوهم أتاهم بكتاب فيه بيان ما يأتون وما يذرون فلما هلك فرعون سأل موسى عليه السلام ربه الكتاب فأمره أن يصوم ثلاثين وهو شهر ذي القعدة فلما أتم الثلاثين أنكر خلوف فمه فتسوك فقالت الملائكة كنا نشم من فيك رائحة المسك فأفسدته بالسواك فأمره الله تعالى أن يزيد عليها عشرة أيام من ذي الحجة. وأخرج الديلمي عن ابن عباس يرفعه لما أتى موسى عليه السلام ربه عز وجل وأراد أن يكلمه بعد الثلاثين وقد صام ليلهن ونهارهن كره أن يكلم ربه سبحانه وريح فمه ريح فم الصائم فتناول من نبات الأرض فمضغه فقال له ربه: لم أفطرت؟ وهو أعلم بالذي كان قال: أي رب كرهت أن أكلمك إلا وفمي طيب الريح، قال: أو ما علمت يا موسى أن ريح فم الصائم عندي أطيب من ريح المسك؟ ارجع فصم عشرة أيام ثم ائتني ففعل موسى عليه السلام الذي أمره ربه وذلك قوله سبحانه: { وَأَتْمَمْنَٰهَا بِعَشْرٍ } والتعبير عنها بالليالي كما قيل لأنها غرر الشهور. وقيل: إنه عليه السلام أمره الله تعالى أن يصوم ثلاثين يوماً وأن يعمل فيها بما يقربه من الله تعالى ثم أنزلت عليه التوراة وكلم فيها، وقد أجمل ذكر الأربعين في البقرة وفصل هنا، { وَوٰعَدْنَا } بمعنى وعدنا، وبذلك قرأ أبو عمرو ويعقوب، ويجوز أن تكون الصيغة على بابها بناء على تنزيل قبول موسى عليه السلام منزلة الوعد، وقد تقدم تحقيقة. و { ثَلَـٰثِينَ } كما قال أبو البقاء مفعول ثان لواعدنا بحذف المضاف أي إتمام ثلاثين ليلة أو إتيانها.

{ فَتَمَّ مِيقَـٰتُ رَبّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً } من قبيل الفذلكة لما تقدم، وكأن النكتة في ذلك أن إتمام الثلاثين بعشر يحتمل المعنى المتبادر وهو ضم عشرة إلى ثلاثين لتصير بذلك أربعين، ويحتمل أنها كانت عشرين فتمت بعشرة ثلاثين كما يقال أتممت العشرة بدرهمين على معنى أنها لولا الدرهمان لم تصر عشرة فلدفع توهم الاحتمال الثاني جيء بذلك، وقيل: إن الإتمام بعشر مطلق يحتمل أن يكون تعيينها بتعيين الله تعالى أو بإرادة موسى عليه السلام فجيء بما ذكر ليفيد أن المراد الأول، وقيل: جيء به رمزاً إلى أنه لم يقع في تلك العشر ما يوجب الجبر، والميقات بمعنى الوقت، وفرق جمع بينهما بأن الوقت مطلق والميقات وقت قدر فيه عمل من الأعمال ومنه مواقيت الحج، ونصب { أَرْبَعِينَ } قيل: على الحالية أي بالغاً أربعين، ورده أبو حيان بأنه على هذا يكون معمولاً للحال المحذوف لا حالاً، وأجيب بأن النحويين يطلقون الحكم الذي للعامل لمعموله القائم مقامه فيقولون في زيد في الدار إن الجار والمجرور خبر مع أن الخبر إنما هو متعلقة.

السابقالتالي
2