الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ }

{ قَالَ } استئناف مسوق للجواب عن سؤال نشأ من حكاية عدم سجوده كأنه قيل: فماذا قال الله تعالى / حينئذ؟ وبه ـ كما قيل ـ يظهر وجه الالتفات إلى الغيبة إذ لا وجه لتقدير السؤال على وجه المخاطبة. وفيه فائدة أخرى هي الإشعار بعدم تعلق المحكي بالمخاطبين كما في حكاية الخلق والتصوير أي قال الله تعالى لإبليس حين لم يكن من الساجدين. { مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ } المشهور أن (لا) مزيدة بدليل قوله سبحانه في آية أخرىمَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ } [صۤ: 75] وقد جاءت كذلك في قوله سبحانه:لّئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ ٱلْكِتَـٰبِ } [الحديد: 29] أي ليعلم، وهي في ذلك ـ كما قال غير واحد ـ لتأكيد معنى الفعل الذي تدخل عليه وتحقيقه. واستشكل بأنها كيف تؤكد ثبوت الفعل مع إيهام نفيه. قال الشهاب: والذي يظهر لي أنها لا تؤكده مطلقاً بل إذا صحب نفياً مقدماً أو مؤخراً صريحاً أو غير صريح كما فيغَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ ٱلضَّالّينَ } [الفاتحة: 7] وكما هنا فإنها تؤكد تعلق المنع به، ومن هنا قالوا إنها منبهة على أن الموبخ عليه ترك السجود. وقيل: إنها غير زائدة بأن يكون المنع مجازاً عن الإلجاء والإضطرار فالمعنى؛ ما اضطرك إلى أن لا تسجد. وجعله السكاكي مجازاً عن الحمل ولا قرينة للمجاز أي ما حملك ودعاك إلى أن لا تسجد؟ وليس بين الجعلين كثير فرق. وجوز أن يكون ذلك من باب التضمين، وقال الراغب: «المنع يقال في ضد العطية كرجل مانع ومناع أي بخيل، ويقال في الحماية ومنه مكان منيع وقد منع وفلان ذو منعة أي عزيز ممتنع على من يرومه، والمنع في الآية من الثاني أي ما حملك عن عدم السجود».

{ إِذْ أَمَرْتُكَ } بالسجود، و { إِذْ } ظرف لتسجد، وهذه الآية أحد أدلة القائلين بأن الأمر [المطلق للوجوب و ] للفور لأنه ذم على ترك المبادرة ولولا أن الأمر للفور لم يتوجه الذم عليه وكان له أن يجيب بأنك ما أمرتني بالبدار وسوف أسجد. وأجيب بأن الفور إنما هو من قوله تعالى:فَقَعُواْ لَهُ سَـٰجِدِينَ } [صۤ: 72] وليس من صيغة الأمر إلا أن بعضهم منع دلالة الفاء الجزائية على التعقيب من غير تراخ، وقال آخرون: إن الاستدلال إنما هو بترتب اللوم على مخالفة الأمر المطلق حيث قال سبحانه: { إِذْ أَمَرْتُكَ } ولم يقل جل شأنه إذ قلت فقعوا له ساجدين فتدبر، وفي حكاية التوبيخ هٰهنا بهذه العبارة وفي سورة الحجر [32] بقوله تعالى:يٰإِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ ٱلسَّـٰجِدِينَ } وفي سورة ص [75] بقوله سبحانه:مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَىَّ } إشارة إلى أن اللعين أدمج في معصية واحدة غير واحدة وقد وبخ على كل من ذلك لكن اقتصر عند الحكاية في كل موطن على ما ذكر فيه اكتفاء بما ذكر في موطن آخر وإشعاراً بأن كل واحدة من هاتيك المعاصي كافية في التوبيخ و [إظهار] بطلان ما ارتكبه، وقد تركت حكاية التوبيخ رأساً في سورة البقرة وسورة بني إسرائيل وسورة الكهف وسورة طه والله تعالى أعلم بحكمة كل.

السابقالتالي
2 3