الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ حَقِيقٌ عَلَىٰ أَنْ لاَّ أَقُولَ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ }

{ حَقِيقٌ عَلَى أَن لا أَقُولَ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ } جواب لتكذيبه عليه السلام المدلول عليه بقوله سبحانه:فَظَلَمُواْ بِهَا } [الأعراف: 103]، و { حَقِيقٌ } صفةرَسُولٌ } [الأعراف: 104] أو خبر بعد خبر. وقيل: خبر مبتدأ محذوف أي أنا حقيق وهو بمعنى جدير و { عَلَىٰ } بمعنى الباء كما قال الفراء أو بمعنى حريص و { عَلَىٰ } على ظاهرها، قال أبو عبيدة: أو بمعنى واجب، واستشكل بأن قول الحق هو الواجب على موسى عليه السلام لا العكس والكلام ظاهر فيه، وأجيب بأن أصله حقيق عليَّ بتشديد الياء كما في قراءة نافع. ومجاهد { أَن لا أَقُولَ } الخ فقلب لأمن الالتباس كما في قول خراش بن زهير:
كذبتم وبيت الله حتى تعالجوا   قوادم حرب لا تلين ولا تمرى
وتلحق خيل لا هوادة بينها   وتشقى الرماح بالضياطرة الحمر
وضعف بأن القلب سواء كان قلب الألفاظ بالتقديم والتأخير كخرق الثوب المسمار أم قلب المعنى فقط كما هنا إنما يفصح إذا تضمن نكتة كما في البيت، وهي في الإشارة إلى كثرة الطعن حتى شقيت الرماح بهم لتكسرها بسبب ذلك، وقد أفصح عن هذا المتنبـي بقوله:
والسيف يشقى كما تشقى الضلوع به   وللسيوف كما للناس آجال
وبأن بين الواجب ومن يجب عليه ملازمة فعبر عن لزومه للواجب بوجوبه على الواجب كما استفاض العكس، وليس هو من الكناية الإيمائية كقول البحتري:
أو ما رأيت الجود ألقى رحله   في آل طلحة ثم لم يتحول
وقول ابن هانىء:
فما جازه جود ولا حل دونه   ولكن يسير الجود حيث يسير
بل هو تجوز فيه مبالغة حسنة، وبأن ذلك من الإغراق في الوصف بالصدق بأن يكون قد جعل قول الحق بمنزلة رجل يجب عليه شيء ثم جعل نفسه أي قابليته لقول الحق وقيامه به بمنزلة الواجب على قول الحق فيكون استعارة مكنية وتخييلية، والمعنى أنا واجب على الحق أن يسعى في أن أكون قائله والناطق به فكيف يتصور مني الكذب، واعترضه القطب الرازي وغيره بأنه إنما يتم لو كان هو حقيقاً على قول الحق وليس كذلك بل على قوله الحق، وجعل قوله الحق بحيث يجب عليه أن يسعى في أن يكون قائله لا معنى له.

وأجيب بأن مبنى ذلك على أن المصدر المؤول لا بد من إضافته إلى ما كان مرفوعاً به وليس بمسلم فإنه قد يقطع النظر عن ذلك. وقد صرح بعض النحاة بأن قد يكون نكرة نحووَمَا كَانَ هَـٰذَا ٱلْقُرْءَانُ أَن يَفْتَرِى } [يونس: 37] أي افتراء، وهٰهنا قد قطع النظر فيه عن الفاعل إذ المعنى حقيق عليَّ قول الحق وهو محصل مجموع الكلام فلا إشكال، وذكر ابن مقسم في توجيه الآية على قراءة الجمهور وادعى أنه الأولى أن { عَلَى أَن لا أَقُولَ } متعلق برسول إن قلنا بجواز إعمال الصفة إذا وصفت وإن لم نقل به وهو المشهور فهو متعلق بفعل يدل عليه أي أرسلت على أن لا أقول الخ، والأولى عندي كون علي بمعنى الباء، ويؤيده قراءة أبـي بأن لا أقول.

السابقالتالي
2