الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ تِلْكَ ٱلْقُرَىٰ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَآئِهَا وَلَقَدْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَٰتِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ كَذَٰلِكَ يَطْبَعُ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِ ٱلْكَٰفِرِينَ }

{ تِلْكَ ٱلْقُرَىٰ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَائِهَا } جملة مستأنفة جارية مجرى الفذلكة مما قبلها منبئة عن غاية غواية الأمم المذكورة و { تِلْكَ } إشارة إلى قرى الأمم المحكية من قوم نوح وعاد وثمود وأضرابهم، واللام للعهد وجوز أن تكون للجنس، وهو مبتدأ و { ٱلْقُرَىٰ } صفته والجملة بعده خبر. وجوز الزمخشري أن تكون (تلك) مبتدأ، و (القرى) خبر، والجملة خبر بعد خبر على رأي من يرى جواز كون الخبر الثاني جملة، وأن تكون الجملة حالاً، وإفادة الكلام بالتقييد بها، واعترضه في «التقريب» بأنه جعل شرط الإفادة التقييد بالحال وعلى تقدير كون ذلك خبراً بعد خبر ينتفي الشرط إلا أن يريد تلك القرى / المعلومة حالها أو صفتها على أن اللام للعهد لكنه يوجب الاستغناء عن اشتراط إفادته بالحال انتهى، وفيه أن حديث الاستغناء ممنوع فإن المعنى كما في «الكشف» على التقديرين مختلف لأنه إذا جعل حالا يكون المقصود تقييده بالحال كما ذكره الزجاج في نحو هذا زيد قائماً إذا جعل قيداً للخبر إن الكلام إنما يكون مع من يعلم أنه زيد والا جاء الإحالة لأنه يكون زيد قائماً كان أولا، وإذا جعل خبراً بعد خبر فـتلك القرى على أسلوبذَلِكَ الكِتَاب } [البقرة: 2] على أحد الوجوه و { نَقْصٍ } خبر ثان تفخيماً على تفخيم حيث نبه على أن لها قصصاً وأحوالاً أخرى مطوية وقال الطيبي: إن الحال لما كانت فضلة كان الإشكال قائماً في عدم إفادة الخبر فأجيب بأنها ليست فضلة من كل وجه وأما الخبر فلا عجب من كونه كالجزء من الأول كما في قولك هذا حلو حامض، وهذا بمنزلته، وفيه أن عد ما نحن فيه من ذلك القبيل حامض ومستغنى عنه بالحلو، ومثله بل أدهى وأمر الجواب بأنه لما اشترك الحلوان في ذات المبتدأ كفى إفادة أحدهما وصيغة المضارع للإيذان بعدم انقضاء القصة بعد و { مِنْ } للتبعيض أي بعض أخبارها التي فيها عظة وتذكير.



وتصدير الكلام بذكر القرى وإضافة الأنباء أي الأخبار العظيمة الشأن إليها مع أن المقصود أنباء أهلها وبيان أحوالهم حسبما يؤذن به قوله سبحانه: { وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيّنَـٰتِ } لما ذكره شيخ الإسلام من أن حكاية هلاكهم بالمرة على وجه الاستئصال بحيث يشمل أماكنهم أيضاً بالخسف بها والرجفة وبقائها خاوية معطلة أهول وأفظع، والباء في قوله تعالى: { بِٱلْبَيِّنَـٰتِ } متعلقة أما بالفعل المذكور على أنها للتعدية، وإما بمحذوف وقع حالاً من فاعله أي متلبسين بالبينات على معنى أن رسول كل أمة من الأمم المهلكة الخاص بهم جاءهم بالمعجزات البينة الجمة لا أن كل رسول جاء ببينة واحدة، وما ذكروه من أن مقابلة الجمع بالجمع تقتضي انقسام الآحاد على الآحاد لا يقتضي كما قال المولى المدقق أبو القاسم السمرقندي في «تعليقاته على المطول» أن يلزم في كل مقابلة مقارنة الواحد للواحد لأن انقسام الآحاد على الآحاد كما يجوز أن يكون على السواء يجوز أن يكون على التفاوت، مثلا إذا قيل: باع القوم دوابهم يفهم أن كلاً منهم باع ماله من دابة، ويجوز أن تتعدد دابة البعض، ولهذا قيل في قوله سبحانه:

السابقالتالي
2 3