الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ }

{ يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ } متعلق بقوله تعالىفَلْيَأْتُواْ } [القلم: 41] على الوجهين، ويجوز تعلقه بمقدر كاذكر أو يكون كيت وكيت وقيل بخاشعة وقيل بِـتَرْهَقُهُمْ } [القلم: 43] وأياً ما كان فالمراد بذلك اليوم عند الجمهور يوم القيامة. والساق ما فوق القدم وكشفها والتشمير عنها مثل في شدة الأمر وصعوبة الخطب حتى إنه يستعمل بحيث لا يتصور ساق بوجه كما في قول حاتم:
أخو الحرب إن عضت به الحرب عضها   وإن شمرت عن ساقها الحرب شمرا
وقول الراجز:
عجبت من نفسي ومن إشفاقها   ومن طواء الخيل عن أرزاقها
في سنة قد كشفت عن ساقها   حمراء تبرى اللحم عن عراقها
وأصله تشمير المخدرات عن سوقهن في الهرب فإنهن لا يفعلن ذلك إلا إذا عظم الخطب واشتد الأمر فيذهلن عن الستر بذيل الصيانة، وإلى نحو هذا ذهب مجاهد وإبراهيم النخعي وعكرمة وجماعة، وقد روي أيضاً عن ابن عباس. أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبـي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في «الأسماء والصفات» من طريق عكرمة عنه أنه سئل عن ذلك فقال: إذا خفي عليكم شيء من القرآن فابتغوه في / الشعر فإنه ديوان العرب أما سمعتم قول الشاعر:
صبرا عناق أنه شر باق   قد سن لي قومك ضرب الأعناق
وقامت الحرب بنا على ساق   
والروايات عنه رضي الله تعالى عنه بهذا المعنى كثيرة. وقيل ساق الشيء أصله الذي به قوامه كساق الشجر وساق الإنسان، والمراد يوم يكشف عن أصل الأمر فتظهر حقائق الأمور وأصولها بحيث تصير عياناً وإليه يشير كلام الربيع بن أنس، فقد أخرج عبد بن حميد عنه أنه قال في ذلك: يوم يكشف الغطاء، وكذا ما أخرجه البيهقي على ابن عباس أيضاً قال: حين يكشف الأمر وتبدو الأعمال، وفي الساق على هذا المعنى استعارة تصريحية وفي الكشف تجوز آخر أو هو ترشيح للاستعارة باق على حقيقته. وتنكير { سَاقٍ } قيل للتهويل على الأول وللتعظيم على الثاني وقيل لا ينظر إلى شيء منهما على الأول لأن الكلام عليه تمثيل وهو لا ينظر فيه للمفردات أصلاً.

وذهب بعضهم إلى أن المراد بالساق ساقه سبحانه وتعالى وأن الآية من المتشابه، واستدل على ذلك بما أخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن المنذر وابن مردويه " عن أبـي سعيد قال: سمعت النبـي صلى الله عليه وسلم يقول: يكشف ربنا عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة ويبقى من كان يسجد في الدنيا رياء وسمعة فيذهب ليسجد فيعود ظهره طبقاً واحداً " وأنكر ذلك سعيد بن جبير، أخرج عبد بن حميد وابن المنذر عنه أنه سئل عن الآية فغضب غضباً شديداً وقال: إن أقواماً يزعمون أن الله سبحانه يكشف عن ساقه وإنما يكشف عن الأمر الشديد وعليه يحمل ما في الحديث على الأمر الشديد أيضاً.

السابقالتالي
2 3