الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ أَمَّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَل لَّجُّواْ فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ }

والكلام في قوله تعالى: { أَمَّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِى يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ } أي الله عز وجل { رِزْقَهُ } بإمساك المطر وسائر مباديه كالذي مر. وقوله تعالى: { بَل لَّجُّواْ } الخ منبىء عن مقدر يستدعيه المقام كأنه قيل إثر التبكيت والتعجيز لم يتأثروا بذلك ولم يذعنوا للحق بل لجوا وتمادوا { فِى عُتُوّ } في عناد واستكبار وطغيان { وَنُفُورٍ } شراد عن الحق لثقله عليهم.

وجعل ناصر الدينأَمَّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِي هُوَ } [الملك: 20] الخ عديلاً لقوله تعالىأَوَ لَمْ يَرَوْا } [الملك: 19] على معنى ألم ينظروا في أمثال هذه الصنائع من القبض والبسط والإمساك وما شاكل ذلك مما يدل على كمال القدرة فلم يعلموا قدرتنا على تعذيبهم بنحو خسف وإرسال حاصب أم لكم جند ينصركم من دون الله إن أرسل عليكم عذابه، وقال إنه كقوله تعالىأَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِّن دُونِنَا } [الأنبياء: 43] إلا أنه أخرج مخرج الاستفهام عن تعيين من ينصرهم إشعاراً بأنهم اعتقدوا هذا القسم، وجعل قوله تعالى { أَمَّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِى يَرْزُقُكُمْ } الخ على معنى أم من يشار إليه ويقال هذا الذي يرزقكم فقيل إنه عليه الرحمة جعل في الأولى أم متصلة ومن استفهامية وجعل في الثانية أم منقطعة ومن موصولة و { هَـٰذَا ٱلَّذِي } مبتدأ وخبر واقع صلة على تقدير القول وقدر لاستهجان أن يقال الذي هذا الذي يرزقكم ويجعل هذا قائماً مقام الضمير الراجع إلى الموصول الأول ومن قيل مبتدأ خبره محذوف أي رازق لكم وكأنه أشار بذلك إلى صحة كل من الأمرين في الوضعين وحديث لزوم اجتماع الاستفهامين في بعض الصور ودخول الاستفهام على الاستفهام قيل عليه إنه ليس بضائر إذ لا مانع من اجتماع الاستفهامين إذا قصد التأكيد.

وقد نقل ابن الشجري عن جميع البصريين أن أم المنقطعة أبداً بمعنى بل والهمزة أي ولو دخلت على استفهام نحوأَمْ هَلْ تَسْتَوِي ٱلظُّلُمَاتُ } [الرعد: 16] وأَمَّا ذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } [النمل: 84] ومذهب غيرهم أنها قد تأتي بمعنى الاستفهام المجرد، وروي ذلك عن أبـي عبيدة وأنها قد تأتي للإضراب المجرد وقد تتضمنه والاستفهام الإنكاري أو الطلبـي والزمخشري قال في الموضعين أم من يشار إليه ويقال هذا الذي، وجوز في { هذا } أن يكون إشارة إلى مفروض وأن يكون إشارة إلى جميع الأوثان لاعتقادهم أنهم يحفظون من النوائب ويرزقون ببركة آلهتهم فكأنهم الجند والناصر والرازق.

والآية على هذا ليست متعلقة بقوله تعالىأَوَ لَمْ يَرَوْا } [الملك: 19] على ما حققه صاحب «الكشف» قال بعد أن أوضح كلامه: إذا تقرر ذلك فاعلم أن الذي يقتضيه النظم على هذا التفسير أن يكون قوله تعالىأَمَّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِي هُوَ جُندٌ } [الملك: 20] متعلقاً بحديث الخسف وقوله سبحانه { أَمَّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِى يَرْزُقُكُمْ } بحديث إرسال الحاصب على سبيل النشر كأنه لما قيل أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فتضطرب نافرة بعدما كانت في غاية الذلة عقب بقول أم آمنكم الفوج الذي هو في زعمكم هو جند لكم يمنعكم من عذاب الله تعالى وبأسه، على أن أم منقطعة والاستفهام تهكم.

السابقالتالي
2